السبت، 9 مايو 2015

المستشار توفيق وهبة يكتب: العقاد ودورة في التنوير الفكري

8 مايو,2015 ، آخر تحديث 10:31 ص - أخبار حصري
توفيق-وهبة
يطيب لى أن استعير قولا لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى مناسبة تكريم العقاد وكأنى به ليقوله لنا الآن , قال العميد :
(( إنه مهما كُرَم العقاد , فإن مكرميه لن يبلغوه حقه من التكريم بالقياس إلى إحسان العقاد إليهم )) ويقول فى نفس المناسبة عن فكر العقاد : (( إنما أرى صورة قلبى وصورة قلب الجيل الذى فيه وحين أسمع للعقاد إنما أسمع الحياة المصرية الحديثة وأتبين المستقبل الرائع للأدب العربى الحديث )).
وقد سئل الزعيم سعد زغلول عن العقاد فقال : (( أديب فحل , له قلم جبار, ورجوله  كامله .. ووطنية ..  صافية .. ,واطلاع واسع , ما قرأت له بحثا أو رسالة فى جريدة أو مجلة إلا أعجبت به غاية الإعجاب , وهو لا يعالج موضوعا إلا أحاط به جملة وتفصيلا إحاطة لا تترك زيادة لمستزيد .. وله أسلوب أدبى فريد )).
فالعقاد كاتب موسوعى كتب  فى شتى مجالات المعرفة , وهو متفرد بين معاصريه وأقرانه فى حبه للإسلام ودفاعه عنه . وقد درس فى أكثر كتبه ومؤلفاته وأبحاثه العقيدة والفكر والثقافة والفلسفة من وجهة نظر الإسلام , فكان مبدعا غير مسبوق فيما كتب ولتنوع بحوث ودراسات وفكر العقاد فقد اخترنا فرعا واحدا من مجالات إبداعه , وهو الفكر الإسلامى الذى برز فيه العقاد وبز فية أقرانه . وعن فكره الإسلامي جاء في مقدمة كتابه (( الإسلام دعوة عالية  )) الذى أعده عن مجموعة من مقالات الكاتب الكبير . حيث يقول :
(( وكان العقاد فى هذه الفترة يبنى بكتبه ومقالاته بناء متكامل الأساس , ثابت الأركان يوضح فيه مناهج الديمقراطية ولذلك أعد كتابا نشره تحت مسمي . ( الديمقراطية فى الاسلام ) ويعلى فيه من شأن الاسلام فى القرن العشرين ويدافع عن الاسلام بين مؤامرات الاستعمار وكيده للمسلمين ثم يثبت حقائق الإسلام وأباطيل خصومه كما ويفرد للمرأة كتابا هو المرأة في القرآن، الكريم وللإنسان كتاب  آخر هو الإنسان في القرآن الكريم كل هذا بجانب دفاعه عن الثقافة العربية واللغة العربية وفلسفة العرب والإسلام والفلاسفة والمصلحون وبهذا البناء المتكامل هدى العقاد الجيل العربي المعاصر وشفاه من قلقه وأعاد إليه ثقته بنفسه وبدينه وقوميته وهكذا نرى العقاد يتناول كل ما يتصل بالإسلام من عقيدة وإيمان وعلم وعمل وأخلاق وفكر وثقافة بما يملأ القلوب والنفوس طمأنينة وثقة ويقينا ويسد جانبا مهما من الفراغ الفكري والديني لدى الشباب.
العقاد في رأى محمد عبده :  تنبأ الإمام محمد عبده بمستقبل باهر للعقاد حينما زار المدرسة الابتدائية بأسوان وزار فصل العقاد وسمع منه فأعجب بنبوغه وتفوقه وقال إن لم تخني فراستي فسيكون هذا التلميذ كاتبا عظيما ونابغا وعبقريا ثم قال يا بنى استعمل ما أعطاك الله من المواهب في إظهار الحق ونصره وأيد الحق بكل ما أوتيت من قوة وكانت استفادة العقاد من قراءاته الحرة واختياراته للأساتذة والمفكرين الذين يرجع اليهم ويتتلمذ على كتبهم وأفكارهم استفادة كبيرة مما أثمر فكرا متميزا وعقلا واعيا وأدبا ناهضا لقد كان العقاد شغوفا بالقراءة منذ صباه الباكر فقد ترك التعليم بعد الحصول على الشهادة الابتدائية واعتمد على القراءة الحرة فى تنمية مواهبه وثقافته فقرأ كتب التراث فى شتى الأغراض كالدين والإدب والتاريخ ولم يقصر اطلاعاته وقراءاته  على الفكر العربى الإسلامى فقط بل ولى شطر الآداب اللأوربية فقرأ مؤلفات أرنولد توينبي وتوماس كارليل وهاملت وماركونى وشكسبير وغيرهم من كبار الأدباء فى القرن التاسع عشر كما قرأ لكبار فلاسفة الإسلام وفلاسفة الغرب.
ولقد وضع العقاد هدفا لا يحيد عنه وهو الانتقال من عصر التخلف والجهل إلى عصر التقدم العلمي والعلم  , شأنه فى ذلك شأن قادة الفكر والرأى فى الغرب والشرق أمثال سقراط وديكارت والجاحظ وأبي العلاء المعرى ومحمد عبده وجمال الدين الأفغانى وغيرهم ويرى الباحثون المنصفون أن هدف العقاد كان ايجاد صيغة جديدة للثقافة العربية والإسلامية وقد شغله هذا الهدف طوال حياته فألف الكتب وكتب المقالات وقرض الشعر وكتب القصة فى شتى مناحى الفكر الإسلامى والإنسانى ولعل اللافت للنظر أن العقاد قد أهتم اهتماما كبيرا بالدراسات والكتابات الإسلامية التى تعتمد على عمق البحث وطول التأمل ويرجع الباحثون هذا الاهتمام إلى عدة دوافع وأسباب منها :-
•  حب الإسلام الذى ورثه من البيئة المتدينه التى نشأ فيها فى مدينة أسوان بين والديه وأهله ومن حوله من أهل بلدته المحبين لدينهم فالعقاد ينتمى إلى والدين جليلين لهما من مكارم الاخلاق ما لا يجتمع إلا فى المؤمنين الصالحين ولئن كان جيل هذين الوالدين مشتركا فى أنبل وأكرم الصفات فأنهما يعدان فى جيلهما من البارزين ويمتد نسب أمة إلى آل بيت رسول الله فهى من أحفاد الإمام الحسن بن على رضى الله عنهما
•     تأثر بمجالس العلم التى كان يحضرها بصحبة والده فى مدينة أسوان
•     تأثر بالشيخ محمد عبده وفكره الإسلامى المستنير ودعوته التجديدية فى الفكر الإسلامى
•     تأثر بكتابات ودعوة جمال الدين الافغانى
      ان ازدياد النشاط الاستشراقى والتبشيرى فى بلاد المسلمين خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين مما دعاه وهو المحب لدينه وللفكر الإسلامى الأصيل أن يتصدى للرد على شبهات وأباطيل بعض المستشرقين عن الإسلام وكتب الكثير من كتب الشخصيات والعبقريات والعقيده مستفيدا من مناهج البحث الغربية بالعرض والتحليل ومخاطبة العقل لأن مخاطبة غير المسلم يجب أن تكون بالطريقة العقلية والفكرية التى يفهمونها والتى تؤثر فيهم وتقنعهم.
فالعقاد عبقرى متعدد المواهب فهو شاعر وأديب ومفكر وفيلسوف وناقد وباحث بل هو مفخرة العقلية الإسلامية ونادرا  لا مثال  له بين المفكرين وان كان البعض قد أخذ عليه اتجاهه هذه الوجهة لعدم إدراكهم أسباب هذا التوجه فى فكر العقاد ولكن الباحث المنصف يجد أن العقاد قد أصاب فى اتخاذه هذا المنهج العقلى فى دراساته وأبحاثه حتى أنه يعد من أفضل من قدم الإسلام لغير المسلمين فقد عرف كيف يميز الخبيث من الطيب عن فطرة خالصة ميزها البصر الثاقب والفكر المطمئن السديد وشاء الله أن يلج العقاد مضمار الفكر والدراسات الإسلامية بعد أن ملك قوة العقل وسطوة البيان مع ايمان مطمئن لحقائق الإسلام , ايمان تغذى بالحب والصدق والاستقلال والنزاهة فإذا وجدت هذه الصفات مع عقل مفكر وخاطر واثب وبصر لامح فلا عجب أن يبدع صاحبها فى حقل الثقافة الإسلامية.
وكان منهج العقاد فى إقناع غير المسلم هو مخاطبة العقل والوجدان فهو يعلم أن الإسلام رسالة عالمية ودعوة للناس كافة وقد سار على نهج الحديث الشريف أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم فالإسلام دعوة للعقل ولذا كان العقاد يخاطب عقل الإنسان لا عاطفته.
ويرى كثير من الباحثين أن اهتمام العقاد بالتراث الإسلامى يعود إلى الإيمان الذى استقر فى يقينه ولعلمه أن التراث الإسلامى مرتبط بالعقيدة ارتباط نشأة وفكرة وأصالة وملازمة فقد كان طبيعيا أن يحرص العقاد على التراث حرصه على العقيدة لقد كان العقاد مؤمنا بالله شديد الإيمان وقد أعانته البيئة التى نشأ فيها على أن تستقر فى أعماقه أصول وعى دينى عميق فهو يقدم الإسلام عن فهم تام وعقيدة راسخة ونظام كامل يحدد الخطوط الرئيسية لإقامة مجتمع إنسانى متكامل ومترابط فى شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
•    وكتابات العقاد فى الفكر الإسلامى يغلب  عليها أمران :
الأول : هو الدفاع عن الإسلام ضد مطاعن المستشرقين والمبشرين .
الثانى : تقديم الصورة الحقيقية للإسلام .
والأمران كما يقول أخي فضيلة العلامه الدكتور احمد عبد الرحيم السايح رحمه الله ويبين ما يشرعه من المعاملات والحقوق , ويحمده من الإخلاق والآداب وجهان لعمله واحدة مؤداها أنه حين يكتب الإسلامى الكبير عباس محمود العقاد دراساته وأبحاثه فى كتب هامة كثيرة فإن القيم الإسلامية تحقق وظائف عدة ففيما يتعلق بالفرد تحاول دفعه فوق مرتبته االراهنة وتعمل على العلو به عن المستوى الحيوانى الذى يقتصر على الماديات من طعام وشراب إلى المستوى اللائق بكرامة الإنسان وتقدمه ورقية وفيما يتعلق بالمجتمع فإنها تحقق أعظم عامل للربط بين أفراده والسمو بالجماعة من المرتبة المادية الحيوانية إلى مرتبة الحضارة والمدنية وتقيم الصلات بين الإفراد والهيئات على أسس نبيلة و كريمة تعتمد على الإيثار والتانى فى سبيل المجموع والإسلام حجة متماسكة مترابطة لا تتجزأ , وهو عقيدة وعبادة ومعاملات وحقوق , وأخلاق والتناسق ظاهرة عجيبة فى الإسلام فى مجموعه كله عقائد وتشريعات وأخلاق ولقد فهم العقاد ذلك وعرفه حق المعرفه  , فيقول يلمس هذا التناسق من تأمل فيه وألقى عليه فى مجموعه عامة بين عقائده  وعباداته هناك وحدة تامة في بنية واحدة يجمعها ما يجمع البنية الحية من تجاوب الوظائف وتناسق الجوارح والأعضاء ويبهر الباحث فى الإسلام ذلك التناسق بين عقائده وأحكامه وبين عقائده وأخلاقه
ويرى العقاد أن هذا التناسق أظهر مايكون بين الأخلاق المتعددة التى حمدها الدين من المسلم وهى متفرقات تجمعها وحدة لاتستوعبها إلا وحدتها الإسلامية فهى جملة وصفها أخلاق الإسلام وكفى .
 والإسلام هو الذى يفرض الأخلاق على المجتمع فقد يستقي المجتمع أخلاقا يأباها الدين ويرفضها وقد تكون أخلاق المجتمع فاضلة فيتقلبها الدين ويرى العقاد أن مصلحة النوع الإنسانى أصدق المقاييس للخلق المحمود فى الإسلام وأن النوع الإنسانى يترقى فى العلم بمصالحته حقبة بعد حقبه ومن حوافزه إلى الترقى أن تكون أمامه مثل عليا للأخلاق أرفع من مألوف الأخلاق التى يسترسل معها بغير جهد وبغير رياضه وبغير تربية مفروضة عليه يعتقد أنه يتلقاها ممن هو أكبر من الإنسان وأحق منه بالطاعة والإصغاء إلى هدايته وتعليمه إذن لابد من الفضائل الإلهية فى تعليم الإنسان مكارم أخلاقه إلا الإيمان بمصدر سماوى يعلى به عن طبيعته الأرضية وهذا هو المقياس الأوفى لمكارم الأخلاق فى الإسلام ليس مقياسها الأوفى أنها أخلاق قوية ولا أنها اوساط بين أطراف ولا أنها ترجمان لمنفعة المجتمع أو منفعة للنوع الإنسانى بأجمعه فى وقت من الأوقات وإنما مقياسها أنها أخلاق كاملة  .



اقرأ المزيد علي اخبار حصري ...

ليست هناك تعليقات: