الثلاثاء، 30 يناير 2007

ابن خلدون

شارك المستشار توفيق على وهبه فى مؤتمر المجلس الاعلى للثقافه فى الاحتفال بمئوية ابن خلدون و فيما يلى تقرير عن الندوه
تاريخنا العربي ملئ بالعظماء الذين رسموا لنا طريقاً نسمو به نحو المجد، فمن أعمالهم تتعرف الإنسانية على ملامحنا وسمتنا الخاص
ونهاياتهم هي نقطة الإنطلاق للأجيال القادمة نحو مستقبل مليئ بالآمال والأماني من أجل رفعة الإنسانية وسموها، فمن نهاياتهم نبدأ، وبعلمهم نسترشد.

محيط - متابعة: هاني ضوَّه

ففي مئويته السادسة احتفل أكثر من سبعين باحثا من مختلف دول الوطن العربي مصر والعالم بالمئوية السادسة لابن خلدون، حيث نظمت الادارة العامة للشعب واللجان بالمجلس الأعلي للثقافة الندوة الدولية بمناسبة رحيل العلامة ابن خلدون، وهي الندوة التي ينظمها المجلس الأعلي للثقافة وتحمل عنوان وحدة المعرفة، وكان من أبرز المشاركين الدكتور: الطيب تيزيني، الإسبانية ماريا خوسيوس، رضوان السيد، قاسم عبده قاسم، حسن حنفي، بنسالم حميش، أماني فؤاد، زبيده عطا،سامية حسن الساعاتي، ناصيف نصار، وآخرون.
جاء الافتتاح في اليوم الأول في مسرح الهناجر حيث ألقى المفكر والدكتور رضوان السيد كلمة الباحثين العرب في افتتاح ندوة المئوية السادسة لابن خلدون في القاهرة، حمل فيها القاهرة مسؤلية سقوط بغداد وضياع بيت المقدس وما يهدد بيروت ودمشق من مخاطر في الوقت الحالي، حيث قال في كلمته: "إنه في ضوء قراءة ابن خلدون وتأملاته لما صارت إليه الأمة - وهو ما أطلق عليه اسم الطاعون الجارف- ولما كانت القاهرة وبيروت والشام وبغداد هي البيئة الطبيعية للحضارة العربية الجديدة، فإن حالة الغياب التي تمر بها القاهرة حالياً هي وراء ضياع بيت المقدس وسقوط بغداد وما يتهدد الشام الآن من مخاطر. وقد حدث ذلك في السابق عندما غابت القاهرة فسقطت تلك الحواضر فريسة الاستعمار الذي قسّمنا، مشيراً إلى أن "ابن خلدون عندما لاحظ الخلل في الجانب الغربي من العالم العربي اعتصم بالقاهرة التي نريد لها أن تكون المعتصمة". من جانبه تحدث المؤرخ والباحث الاجتماعي الدكتور قاسم عبده قاسم الذي ألقى كلمة المشاركين المصريين في الندوة وقال: "إن ابن خلدون ظلم كثيراً لكنه في الحقيقة ما زال موجوداً، فهو يدعونا إلى أن ننتج فكراً وثقافة وأن نكف عن استهلاك ما ينتجه الآخرون" .
أما المستشرق الفرنسي ألان روسيون فاعتبر أن ابن خلدون يقف متميزاً بين كل المفكرين الذين كانوا الأساس في التفاعلات الحضارية بين شمال البحر المتوسط وجنوبه مثل ابن رشد وابن سينا والفارابي وابن ميمون وذلك بخصوصيته وانفراده ليس في تاريخ الفكر العربي والإسلامي فحسب، وإنما لتميزه في الفكر البشري كله، وهو الذي شكل الأساس للمستشرقين لفهم العالم العربي والإسلامي، مشيراً إلى أن العرب لم يقرؤوا ابن خلدون كما قرأه الغرب، حيث قرأ الغرب جيداً مقدمته، بينما ركز العرب على تاريخهم حتى إننا في الغرب كنا نسعى لنظرية خلدونية لفهم العالم العربي .
ومن جانبه اعتبر الأمين العام للمجلس الأعلى المصري للثقافة الدكتور جابر عصفور أن الاحتفاء بابن خلدون هو احتفاء بالتراث العقلاني وبالتيار العلمي التجريبي وبالعقل المفتوح وللنزعة الإنسانية الروحية، ومن ناحية أخرى واصلت الندوة جلساتها العلمية بمقر المجلس الأعلى المصري للثقافة بالقاهرة حيث نظم المجلس الاحتفالية على مدى 3 أيام.


وترأس الجلسة الأولي في اليوم الأول من فعاليات المؤتمر والتي عقدت في قاعة المؤتمرات بالمركز الأعلي للثقافة الدكتور محمد الجوهري، والذي أعرب د.محمد الجوهري في أولي جلسات المؤتمر عن أمله في عدم توقف هذه الجلسة وما يليها عند تقديم المشاركين لأفكار عامة مثل التي جاءت في الافتتاح، وأنه يأمل ألا يتم التوقف عند تفسير نصوص ابن خلدون .. ولكن يبدو أن هذا الأمل لم يتحقق حيث توقفت جميع الأبحاث التي قدمت في الجلسات عند محاولة تعريفه فقط. وحضرالجلسة كل من الطيب تيزيني حيث قدم بحث بعنوان "ابن خلدون في ذكرى مئويته السادسة" قال فيه: "إن ابن خلدون قد قدم لنا قراءة ما علينا أن نقرأها الآن ليس فقط خلدونياً فقط ولكن عصرياً أيضاً، وأن علينا أن ننظر إلي ابن خلدون على أنه حصيلة لتطور تاريخي عاشتة الحضارة العربية عدة قرون.وجاء في بحثة: " أن ابن خلدون انطلق من ثلاث أفكار:1- من أن الشئ نسبته ذاته ، وهو بذلك وضع حجر الأساس بأن أسباب المجتمع في ذاته ، وبذلك تخطي الموتافيزيقا.2- أسسها على القول بأن الحل والربط وأوساط أخري كثيراً ما يرون أن التاريخ يمكن أن يغلق، ولكنه يحذر من ذلك قائلاً: "إن أصل الحل والربط على خلاف .. لأن المجتمعات لا تقود إلا إلي التطور.3- أن العمل الإنساني سيد الموقف، ومن هنا كتب ابن خلدون مقدمتة التي تمثل بياناً مهماً في تاريخ البشرية.
ابن خلدون رجل الفرص وتسائل الباحث في بحثه هل استطاع ابن خلدون أن يؤسس لمشروع ثقافي معرفي وسياسي في آن واحد ؟!!!، وهو سؤال محاصر بكثير من الإشكلات، لكنه أجاب عليها في عدة نقاط منها:
- أن ابن خلدون كان رجل الفرص الذي كان يبحث دائماً عن فرصة أو أخري سياسياً لترويج أفكارة، وجاء هذا بارزاً في مقدمته.- أنه مارس دور المنتهز السياسي، ولم يكن في ذلك شئ من الإدانة بقدر ما كان حالة ممكنة في إطار توزيع سياسي قائم على الطائفية، فحاول أن ينتهز هذه الفرصة ليؤسس مشروعة.- التقية التي جعلته ينظر إلي الأيدلوجية الأشعرية على انها قاعدة مذهبية لمنهجه كله. وعن بحثها الذي جاء بعنوان "وجهات نظر ابن خلدون في الأندلس بين الشرق والغرب" للباحثة الإسبانية ماريا خوسيوس قالت أن اختيارها لموضوع البحث جاء من منطلق أن هناك العديد من المواقف التي جمعت بين ابن خلدون بالأندلس، خاصة الفهم العميق للفترة الأندلسية التي طالما تكلم عنها بدقة وأوضح انعكاساتها بتحليل رائع كما هي عادته.
وتسائلت ماريا في بحثها عن مدي إمكانية أن نجد في كتابات ابن خلدون وصفاً شاملاً لحال الأندلس؟!!!، وهل فيها ما يكفي كي نفهم بوضوح ما حدث في الأندلس؟!!!، وهل بالفعل ساهم في الصورة التي رسمها العرب والمسلمون عن الأندلس؟!!!، وتجيب ماريا عن ذلك بأن ابن خلدون أكثر في الحديث عن الأندلس وأضفي على إسلوبه صبغة العطف والحنان النابع من القلب وفي مقدمتة ظهرت هذه الصبغة وانتقلت لأبناء عصرة مثل المقريزي الذي كتب شرحاً لمقدمتة ومن خلال هذاالشرح انتشرت الأفكار الخلدونية في العالم. وجاء البحث الثالث في الجلسة بعنوان تفاصيل مزعجة وأخري عجيبة عند ابن خلدون للباحث بنسالم حميش حيث حاول بمنهج مجهرى إلقاء الضوء على تفاصيل فى سيرة ابن خلدون وفكره، لها دلالات وإفادت فى محاولتنا سبر بعض أغوار الرجل النفسى والفكرى، وذلك خارج خطاب العموميات وكل أنواع التحنيط، سواء كانت بقصد تقديس ابن خلدون المفكر أو سعياً إلى إقباره. أما البحث الرابع والأخير فكان للدكتور حسن حنفي بعنوان "من أسباب الإنهيار إلي شروط النهضة .. قراءة معاصرة لابن خلدون" حيث قدم ما يشبه المشروع لبحث إمكانية تطبيق منهج ابن خلدون في عصرنا الحالي في الجلسة نفسها، وهو ما اسماه بشروط النهضة للسبعة قرون القادمة .. فحسب ما قال ابن خلدون فإن الدولة والملك لا يستقيمان إلا بالقهر والذل، وعلق حنفي علي ذلك قائلا أن ذلك يغفل حقوق مثل المقاومة والشهادة ويلغي دورهما تماما، وتابع د.حسن حنفي بأن ابن خلدون صنف الدول إلي نوعين..بدو وحضر وذلك غير صحيح ولا يمكن تطبيقه الآن فالتغير يحدث عبر الهجرات، كما أشار حسن حنفي إلي أن ابن خلدون تحدث عن ثروة الحكام علي اعتبار أنهم سيصرفونها علي الفقراء، ولكنه لم يتحدث عن الإثراء السريع ونهب المال العام.. وفي النهاية قال حنفي أنه من الممكن تطبيق منهج ابن خلدون ابن خلدون ولكن ذلك يتطلب أن تكون هناك قراءة تأويلية جديدة له.
وبعد استراحة امتدت ساعتين بدأت فعاليات الجلسة الثانية لليوم الأول والتي ادارها الدكتور رضوان السيد وبدأها د.محمود شاهين ببحثه عن "ابن خلدون في الفكر الغربي المعاصر" حيث قال: " لا تكاد دراسة جادة منصفة عن ابن خلدون تخلو من إشارة إلى المؤرخ الكبير توينبى (Toynbee) بعلم ابن خلدون إذ قال: " إن المقدمة ابن خلدون تعد دون أدنى شك أعظم عمل من نوعه أبدعه عقل بشرى فى أى مكان، وفى أى زمان".
كان توينبى مؤرخا وقام بتقديم ابن خلدون كمؤرخ وبسبب معرفته التاريخية العميقة فقد نظر إلى ابن خلدون باحترام كبير، أما إدوارد سعيد فوصل إلى ابن خلدون عن طريق نقد الفكر الاستشراقى الجاهز الذى يستخف بالموروث العربى كله ، بما فى ذلك ابن خلدون.
والأمر الثانى هو تصوره الدنيوى للعالم ذلك أن ابن خلدون شرح تحولات المجتمعات اعتمادا على مقولتى العمران والعصبية، وهما مقولتان لا تحتاجان إلى ضمان دينى، وبداهة فإن اهتمام إدوارد سعيد بابن خلدون جاء من فكرته الأساس: الدنيوى التى تعنى أن البشر قادرون على تفسير التاريخ الذى يصنعونه، ما جعله يوحد بين فيكو وابن خلدون، وما جاء به ماركس فى كتابه 18 برومير".
وفي بحثه تأمل د.أنور مغيث في ابن خلدون في قراءات ماركسية حيث أوضح أنه عند التحام المثقفين الماركسيين بمشكلات الواقع المصرى الملموسة بدأوا يشعرون بضرورة بلورة قراءة ماركسية للتراث العربى الإسلامى، وكان اكتشاف فكر ابن خلدون بالنسبة لهم، هم أيضا وسيلة لدعم المنظور المادى فى تفسير التاريخ فى العالم العربى الإسلامى، ومن هنا بدأ اهتمامهم بابن خلدون منذ أواخر الأربعينيات من القرن العشرين.

وقد اتجهت هذه الأعمال فى اتجاهين رئيسيين: الاتجاه الأول: هو اعتبار ابن خلدون رائدا للمادية التاريخية، وذلك بهدف الإيحاء بأن الماركسية ليست غريبة تماما عن فكرنا العربى، بل إن لها جذورا آمنه، والاتجاه الثانى: سار فى اتجاه اعتبار ابن خلدون رائدا للنزعة الجدلية الهيجلية فى تفسير التاريخ، وذلك حتى لا يظن أحد أنه يمكن للنظرية الخلدونية أن تمثل، لدى المفكرين العرب، بديلا عن النظرية الماركسية. كما ضمت الجلسة أيضاً بحثان الأول للدكتور عبدالمقصود باشا عن تبن خلدون في مرآة الفكر المعاصر، والأخر للدكتور فصيح بدرخان عن ابن خلدون في متناول الباحثين الروس. ابن خلدون تحركه المصالح الشخصية!!
وجاء الجزء الثاني من الجلسة برئاسة د.أيمن فؤاد حيث عرضت الدكتورة زبيدة عطا لبحثها الذي جاء بعنوان "البحث والذات والإبداع عند ابن خلدون" والذي قست فيه على ابن خلدون حيث قالت : "إن ابن خلدون يروى وجوب وجود السلطة: حيث يجب أن يكون المجتمع منقسما إلى مجتمعين والى جزءين لاغير، ومن دون مفهوم الاستقطاب لا يمكن تصور عقيلة السياسة، وعندما تكون السياسة معقلنة، يكون المجتمع عندئذ منقسما بين معسكرين متغالبين؛ ابن خلدون كانت تحركه مصلحته، وشعوره بالتميز لايخفيه بين صفحات سيرته، ويضع مبررات التنكر لمن ساعدوه، فنجده يتنقل بين أصحاب السلطان فى المغرب من أبى إسحاق إلى أبى عنان فى فاس إلى السلطانى أبى سالم، ثم انتقاله إلى الأندلس ليخدم بنى الأحمر، وفى كل بلد منها تثار حوله المشاكل، ويضطر إلى تركها أو يضيع السلطان من صاحبه فيتركه، وقد ترك الأندلس ثم عاد إلى بجاية، ثم تركها إلى صاحب تلمسان، ولما نشبت الحرب بينه وبين صاحب فاس انحاز للأخير، ولما سددت أبواب المغرب الأقصى سعى إلى حاكم تلمسان الذى سبق أن انقلب عليه، وهنا كان خط الفصل بين طموحه السياسى ورغبته فى العلم.
بينما تسائل د.فاروق مصطفي في بحثه "ابن خلدون اتباع أم ابتداع؟" حيث استعرض الفترة التي عاش فيها ابن خلدون ما بين 1332م (732هـ) و1406م (808هـ) وهي مدة لا تقل عن ثلاثة أرباع القرن إلا سنة واحدة، وكانت هذه السنوات الطويلة زاخرة بنشاط خارق وحيوية متفجرة واتباع أصيل مبتكر تحار فيه العقول بالرغم من الاتجاه السائد فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر كان هو اتجاه الاتباع وليس الإبداع من هنا جاءت فكرة هذا البحث الذى يقوم على العناصر التالية:1- مقدمة عن حياة ابن خلدون فى تونس ومصر.2- الاتجاه السائد فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر.3- مؤلفات ابن خلدون الرئيسية.4- الإبداع ومقوماته وأسسه من الجانب النظرى.5- خاتمة تحدد إلى أى حد فى ضوء نظريات الإبداع جاءت أعمال ابن خلدون. كما استمع الحضور أيضاً إلي بحثين أخرين الأول د.توفيق وهبة عن "ابن خلدون مفكراً مبدعاً"، والثاني د.محمد البيلي "ابن خلدون موضوعاً للابداع". وفي الجلسة الثالثة تم استعراض عدد من الأبحاث من أهمها البحث الذي قدمة د.قاسم عبده قاسم عن "أزمة المثقف المصري في ظل النظام الاستبدادي: ابن خلدون نموذجاً" حيث قال فيه: "وحين يكون القلم حرا ، فى زمن التراجع، نجده يتأرجح ما بين الولاء للسلطان، والولاء لعبقريته؛ بين قبول دور المطية والاندفاع إلى دور الريادة . بيد أن هذا لا يحدث سوى حين يكون القلم ضعيف النفس على الرغم من شجاعة العقل ... وتلك أزمة كثير من أصحاب القلم فى الماضى ـ وفى الحاضر. وفى ظنى أن تلك كانت قصة ابن خلدون: عبقرى فى زمن التراجع، رجل جمع بين شجاعة العقل وضعف النفس".كما قدمتة د.أماني فؤاد بحثها حول "ماذا تبقي من ابن خلدون؟" حيث أثبتت أن ابن خلدون قد فرض فكره ومنهجه على علم التاريخ، وأسس علم الاجتماع، وتجاوز أسلوب التسجيع والتجنيس على حساب المضمون، حتى أطل علينا العصر الحديث، فوجدنا أعلاما مصريين- وابن خلدون قد عاش فى مصر- مع غيرهم من أعلام العرب، وجدناهم قد خرجوا من عباءة "المجاوزة الخلدونية"، فتجاوزوا المألوف والمعروف، وقدموا فكرا تنويريا، غيروا النمطى والعادى والمتداول، فنالهم ما نال ابن خلدون من عنت التقليديين، وشراسة قصار النظر، وأصحاب المصالح، لكن ذهب المبطلون، وبقى المتجاوزون؛ فبهم تتطور العلوم والفنون، وتتقدم الحضارة. ولم تتوقف د. أماني في ورقتها التى قدمتها أمام زاوية بعينها من زوايا مثلث الإبداع الخلدونى (علم التاريخ، علم الاجتماع، الأسلوب الأدبى)، لكنها بعد أن استعرضت بإيجاز حقيقة منهج ابن خلدون فى كل ضلع من أضلاع المثلث على حدة، توقفت طويلا أمام طبيعة التجاوز الذى نعمنا به فى مجاوزته، كل بطريقته ، وفى ميدانه، ولاغرو فقد نالهم ما ناله من عنت، ونالت مجاوزتهم ما نال مجاوزته من ظلم ، ثم ذهب الأقزام ، وبقى العمالقة. وضم اليوم الثاني عد جلسات على مدار اليوم عُرِضَّ فيه عده أبحاث من بينها بحث د.سيف عبدالفتاح بعنوان "بناء المقاييس والتراث السياسي الإسلامي وقياس الفساد نموذجاً عند ابن خلدون" حيث قدم رؤية نقدية لمفهوم الفساد لمؤسسة الشفافية الدولية من واقع ماهو مستقر فى التراث الإسلامىـ وتعرض لظاهرة الفساد السعادة وصعوبة القياس كذلك معايير بناء المقياس، كما تحدث عن ابن خلدون والحديث عن الفساد فى المقدمة، وصولاً إلي ما أنجزه ابن خلدون، وذكرها في أربع نقاط جاءت فى مقدمه ابن خلدون:1- انطلق من مبدأ فلسفى عمومى يفصح عن نفسه فى " أن الشىء سبب ذاته"؛ أى (هنا) فى أن المجتمع - موضوع البحث - لا يمكن فهمه إذا نظر إلى آلياته وبنيته من خارجه، بحيث يعود إلى الميتافيزيقيا . وهذا يفسح الطريق أمام إمكانية التأسيس لعلم المجتمع (عند ابن خلدون : علم العمران).2- انطلق ابن خلدون، كذلك، من أنه " من الغلط الخفى فى التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال فى الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام"؛ مما يفضى إلى القول بأن المجتمع - بكل مؤسساته وتجلياته السياسية والاقتصادية والثقافية ....إلخ - محايث للتاريخ وحصيلة التغير والتحول التاريخى، ومن ثم االاعتقاد بـ " مافوق التاريخ" أمر زائف إبستمولوجيا.3- اكتشف ابن خلدون دور العوامل الاقتصادية وعلاقة الإنتاج بمثابتها محاور حاسمة فى مقاربة الفهم العلمى للحركة الاجتماعية، وانتهى بذلك إلى مصطلح " أسلوب المعاش الإنسانى".4- وضع ابن خلدون يده على مقولة "العمل"، من حيث هو أمر حاسم فى الوجود الإنسانى الاجتماعى أولا، ومن حيث هو ضابط لـ " قيمة الأعمال البشرية ومعيارها" ثانيا. وفي بحث د.السيد عليوة والذي جاء بعنوان "بذور الدولة المدنية عند عبد الرحمن ابن خلدون" أوضح فيه أنه بالرغم من تلك المقارنات التى أجراها عبد الرحمن بن خلدون إلا أنه وضع نظرية (العصبية) لتفسير فكرة الدولة وأصل قيامها، حيث يذهب إلى القول بأن العصبية هى الركيزة الأصيلة للانتماء والولاء للدولة ومن يتولى الرئاسة فى هذه الدولة لابد وأن تكون عصبيته أقوى من الكل لأنها أى رئاسة لا تكون إلا بالغلب ولا غلب إلا بالعصبية.
وخلص في دراستة إلي أن الدعوة المتزايدة لمفهوم الدولة المدنية كمفهموم جاذب للدول الصغيرة والمتوسطة فى عصر العولمة، سوف تتصاعد مستقبلا لأنها تحظى بمساندة مزدوجة واحدة من جانب التطور التاريخى والثانية من ضرورات الحاضر المتأزم. وشهد اليوم الثالث للمؤتمر عرض عدد من الأبحاث منها بحث للدكتور مجدي عبدالحافظ بعنوان "ابن خلدون ومفهوم التطور" حيث حاول في ورقتة اختيار ما قالة بعض المفكرين العرب المحدثين من أن يسندوا نظرية التطور الداروينية إلى ابن خلدون؛ إذ مجرد افتراض هذا الأمريحفز العزيمة، ويشحذ الذهن، ويدفع لبذل الجهد من أجل تحرى الحقيقة فى هذه الفرضية شديدة الجاذبية، خاصة فيما يتمثل بالقياس والمحاكاة على عصرين مختلفين تمام الاختلاف. وعن الحكمة الخلدونية وحدودها تحدث د.ناصيف نصار في ورقتة حيث اعتبر حكمة ابن خلدون عبارة عن تأمل نقدى فى المشروع الذى انجزه فى إدخاله علم التاريخ فى علوم الحكمة لبيان أهميته التاريخية العظيمة من جهة، ومحدوديته بالنسبة إلينا من جهة أخرى، بحيث نفهم بالنتيجة مدى راهنية ابن خلدون وبأى معنى لسنا خلدونيين. وفي آخر جلسات اليوم الثالث والأخير للمؤتمر تحدث د. حلمي النمنم في ورقتة التي بعنوان "ابن خلدون في الإبداع العربي .. سعد الله ونوس نموذجاً" عن تناول بعض المبدعين العرب في ثنايا بعض أعمالهم لشخصية المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون أو جعلوا منه محور العمل بأكمله، ورصد العمل الروائى لأحمد رشدى صالح "رجل فى القاهرة"، والتى اهتم فيها صالح بالمرحلة التى قضاها ابن خلدون فى القاهرة قاضيا، وقد عاش ابن خلدون حوالى 24 عاما الأخيرة من عمره بالقاهرة، ومات ودفن بها، وهناك رؤية بنسالم حميش " العلامة"، وهى بأكملها عن ابن خلدون وقد نالت الرواية جائزة نجيب محفوظ بالجامعة الأمريكية فى القاهرة. كذلك مسرحية " سعد الله ونوس"، التى صدرت بالقاهرة سنة 1994 "منمنمات تاريخية" ومثلت على المسرح القومى، والتي ترصد لحظة اجتباح تيمور لنك "وجيش المغول لبلاد الشام وفى القلب منها مدينة دمشق". وعلي هامش الندوة أصدر المجلس الأعلي للثقافة طبعة خاصة من كتاب "علم الاجتماع الخلدوني" للدكتور حسن الساعاتي، ويعد المشروع لاصدار ترجمة لكتاب المؤرخة آنا وولف الذي سيصدر بعنوان كم تبعد القاهرة وهو كتاب يتناول الرؤية الأوروبية للمشرق العربي في زمن ابن خلدون وقد ترجم الكتاب الدكتور قاسم عبده قاسم استاذ تاريخ العصور الوسطي، كما أصدر المجلس كتاب الدكتور عبدالرحمن بدوي مؤلفات عبدالرحمن بن خلدون التي أتت بمناسبة عام ابن خلدون في العديد من دول العالم، وتجدر الاشارة الي أن العلامة ابن خلدون قضي الشطر الأخير من حياته في القاهرة وعاصر دولة المماليك وغزوة تيمورلنك للشام، وقد تولي العديد من المناصب في مصر وعلي رأسها وظيفته كقاض للقضاة، وقد توفي في مصر ودفن بها في رمضان عام 1406م. أضواء على الندوة
يبدو أنه لا مفر من السياسة .. فعلى الرغم من تناول الندوة لشخصية ابن خلدون ودورة في علم الاجتماع وغيرها من المجالات إلا أن النقاش الفكري حول ابن خلدون قد اتجه اتجاهاً سياسياً، وظهر ذلك بدأً من الافتتاح وفي أثناء الجلسات وتجلي في كلمة د.جابر عصفور في حفل الافتتاح كذلك د.الطيب ديزيني والذي أشار إلي استغلال ابن خلدون للثقافة للوصول إلي المناصب السياسية كما وصف عصر ابن خلدون كله بأنه عصر الأفول السياسي مقارناً بينه وبين الوضع الحالي في بعض الدول العربية.

ليست هناك تعليقات: