السبت، 17 مايو 2008

حسن الظن بالناس

08/11/2007 03:40:40 م


من آداب الإسلام حسن الظن بالناس





محمود فرج


يدعو الإسلام إلى حسن الظن بالناس، والابتعاد عن سوء الظن، فلنا الظاهر والله سبحانه وتعالى يتولى السرائر، ولسنا مطالبين بالتفتيش فى دخائل الناس والبحث عن أسرارهم.

حول هذا الموضوع يقول المستشار توفيق على وهبة رئيس مركز الدراسات العربية:
وفى كتب التراث اهتمام بهذا الجانب العظيم من أخلاقيات الإسلام فقد كتب العارف بالله على بن محمد المصرى كتابا سماه "الأكياس فى حسن الظن بالناس" وهو من أنفع الكتب فى مجاله.

قال رحمه الله: "أول وصية عليكم أيها الإخوان بحسن الظن بالمسلمين ما استطعتم" أى إلزموا حسن الظن بالمسلمين فإنه باب من أبواب الخير. فقد روى أبو داود وحسَّنه عن أبى هريرة رضى الله عنهما: "حسن الظن من حسن العبادة" وفى رواية: "من حسن عبادة المرء حسن ظنه".

وأقوال السلف والخلف فى مدح حسن الظن والحث عليه كثيرة: وكان الإمام الشافعى رحمه الله يقول: "من أحب أن يختم له بخير فليحسن الظن بالناس".

وقال بشر الحافي: من سرَّه أن يسلم فليلزم الصمت وحسن الظن بالخلق. وقال أحمد الرفاعى رحمه الله: من اقتفى أثر حسن الظن حجبه عن رؤية المناقص فى الخلق، وانتفع بعلمه وعمله واستراح من الشواغل وسلم من الغدر والغيبة والحسد وحصل له مقام التواضع.

وقال الشيخ عبدالعزيز الدرينى رحمه الله: من أراد أن يمده الوجود كله بالخير فليجعل نفسه تحت الخلق كلهم فى الدرجة فإن المدد الذى مع الخلق كالماء، والماء لا يجرى إلا فى المواضع المنخفضة دون العالية أو المتساوية، ولا يرى الإنسان نفسه كذلك إلا إن أحسن ظنه بالخلق.

وكان الشيخ أبومحمد اليافعى رحمه الله يقول: عليكم بحسن الظن بالمسلمين، فإن حسن الظن بالمسلمين فضلا عن الصالحين باب كبير من أبواب الخير والنفع فى الجلب والدفع، أعنى جلب المحبوبات المحمودات، ودفع المكروهات المذمومات فى الحياة والممات، وذلك مشهور ومعروف عند كل من هو بالخير موصوف. وغير ذلك كثير نمسك عنه خوفاً من الإطالة.

ومحل حسن الظن كما قالوا: إنما هو فى الأخلاق التى تحتمل التأويل، أى الخير والشر وهو من الأعمال القلبية المتعلقة بالنيات.

أما الأفعال التى صرّح الشارع بتحريمها فلا يجوز لمؤمن أن يحمل صاحبها على محمل حسن، كشرب الخمر والزنا وأخذ الرشوة وأكل الحرام ونحو ذلك.

وقد أجمعوا على أنه لا يصل أحد إلى مقام حسن الظن إلا إن طهّر الله تعالى باطنه من سائر الرذائل إما بالفطرة وإما بالعلاج والرياضة. بحيث يصير لا تخطر الفحشاء على باله، وإذا كان فى باطنه شيء من الرذائل فمن لازمه غالبا سوء الظن بالناس قياسا على ما عنده.

فمن طهر باطنه من سائر الرذائل فهو الذى يصح منه حسن الظن بالمسلمين كلهم. قال الشيخ على الخواص رحمه الله: إن الشخص لا يسيء الظن بأخيه ويقبل ذلك فى حقه إلا وهو صورة حاله هو. فإما وقع ذلك له، وإما عزم عليه، وإما خطر له، لأن المؤمن مرآة أخيه.

ومن كلام الشيخ محيى الدين بن عربي: أجمع القوم على أن من حمل الناس على المحامل السيئة فإنما ذلك صورة نفسه هو، فكأنه يقول: أنا من أهل ذلك القبيح.

ومذهب أهل السنة والجماعة أن الشخص الواحد يجتمع فيه الخير والشر فى وقت واحد، وهذا هو الحق الواضح الذى شواهده كثيرة من الكتاب والسنة بخلاف من قال بالإحباط وكفَّر المؤمنين بالمعاصى والذنوب كما فعلت الخوارج وغيرهم. والشرع الحكيم لم يأت لنا أو يشرع لنا أو يحثنا على سوء الظن بإخواننا ثم إن ورد ذلك ففيه تأويل. فلا يجوز حمل أحد من المسلمين على المحامل السيئة مادام الأمر قابلاً للتأويل. وقال سلفنا الصالح: إن صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار. والله سبحانه وتعالى لا يسأل عبداً فى الآخرة عن حسن ظنه بخلقه، وإنما يسأله عن سوء ظنه بهم.

وكان الإمام جعفر الصادق رضى الله عنه يقول: إذا بلغك عن أخيك ما تكرهه فاطلب له من عذر واحدٍ إلى سبعين، فإن لم تجد عذراً فقل لعل له عذراً لا أعرفه. تلك هى أخلاق آل البيت رضى الله عنهم وعنا معهم بفضله ومنه وكرمه.

وفى الحديث الشريف: "إذا رأيتم من أخيكم حسنة فأحبوه عليها، واعلموا أن لها أخوات". وفى الحديث أيضاً: "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم". وقال بعض السلف: إذا رأيتم من أفنى عمره فى علم الكلام فإياكم أن تقولوا: إنه مغرور لأن إيمان العوام صحيح. ولو لم يعرفوا ما قاله المتكلمون. بل اشكروه لأنه ربما قام بدعى يجادل فى الشريعة ويصمها بالشبهات والأباطيل فيكون هذا مستعدا بقطع الحجج بما تعلمه من علم الكلام من كيفية الدفاع والمنافحة ورد الأباطيل والشبهات. وذلك حادث منذ زمن بعيد وحتى الآن. فقد رد علماء الكلام والمعتزلة على أمثال هؤلاء البدعيين وأعداء الدين وكان للقاضى عبدالجبار المعتزلى باع طويل فى هذا المجال فى كتابيه: تثبيت دلائل النبوة، وتنزيه القرآن عن المطاعن.

قال الإمام على بن محمد الشهير بالمصرى رحمه الله: إذا رأيتم واعظا يدعو الناس إلى الخير فإياكم أن تظنوا أنه لا يعمل بما يقول، بل ظنوا أنه متخلق بما دعاكم إليه إنه ما دعاكم إلى الإخلاص إلا بعد أن أخلص ولا إلى الزهد إلا بعد أن زهد، ولا إلى غير ذلك إلا إذا كان متخلقا به.

ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحسن الظن بإخوانه، إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

------------------------------------------------------------------------------------
المصدر جريده العرب الدوليه وموقع العرب اونلاين
بتاريخ 08\11\2007

ليست هناك تعليقات: