الاثنين، 13 يناير 2014

الفقه اليوم/ الفقه والحياة

أرسل لصديق طباعة
التشرذم يغري الأعداء بالعدوان
بقلم المستشار : توفيق وهبة
 رئيس المركز العربي للدراسات والبحوث/ القاهرة
المسلمون أمة واحدة.. هكذا أراد الله سبحانه وتعالى لها أن تكون، مصداقاً لقوله تعالى: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" وقوله عز وجل:"وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون".
ويعرف البعض الوحدة الإسلامية بقوله: إن الوحدة هي التفرد، وإذا أضفنا التفرد إلى الأمة أصبح المعنى تفرد الأمة الإسلامية عن بقية الأمم وتميزها بخصائص تجعلها متجانسة ومتحدة وكأنها رجل واحد.
وتوحيدها يعني جمع آحادها، وجعلهم جماعة واحدة لا تنقسم، ويعبر عن هذه الوحدة في كتب السنة والفقه والأصول بالجماعة أو بجماعة المسلمين.
ومنذ بدء الرسالة ودعوة النبي صلي الله عليه وسلم إلي الإسلام، والمسلمون يشكلون وحدة واحدة، وأمة واحدة واستمرت هذه الأمة الواحدة بعد انتشار الإسلام خارج جزيرة العرب خلال حكم الخلفاء الراشدين بعد فتح الشام والعراق ومصر وفارس، ودخول غير العرب في دين الله أفواجا.
فرغم تعدد الدول والإمارات التي دخلها الإسلام إلا أنها جميعاً كانت تحت قيادة الحكومة المركزية في المدينة المنورة، وهذه الحكومة المتمثلة في الخليفة هي التي تعين حكام تلك البلاد ومساعديهم وكانوا جميعا مرتبطين بدولة الخلافة في المدينة المنورة.
ونود أن نشير إلى أن الفتنة التي قامت في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - لم تمنع استمرار الوحدة الإسلامية، لأنها حملت في نفسها عوامل التفكك والاختراق.
وإن لم تظهر تلك العوامل إلا بعد أمد غير قصير. لأن هذه العوامل كانت كالجراثيم المرضية، لا تظهر آثارها ما دام الجسم قوياً، فإن عرضت له عوارض الضعف ظهرت الجراثيم فتاكة.
وفي خلال فترة الخلافة الأموية والعباسية وازدياد حركة الفتح وانتشار الإسلام في آسيا وأوروبا وأفريقيا اندمجت البلاد المفتوحة ضمن الدولة الإسلامية الواحدة تحت قيادة حاكم واحد، تطبق كلها كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم.
وهكذا يتبين لنا أن الوحدة الإسلامية بدأت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اقترن وجودها بوجود الخلافة النبوية في عهد الراشدين، واستمرت كذلك لفترات طويلة.
يقول فضيلة أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله: "سارت الوحدة في طريقها حتى تحت سلطان الحُكَّام الظالمين.
وإذا كانت فتنة أحيانا. وظلم صارخ. فإن الوحدة تعود قوية لحيوية الجماعة الإسلامية.
واعتبر ذلك بالفتنة التي نشأت في عهد العاصي الفاسق الظالم يزيد بن معاوية التي استبيحت فيها مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم، استباحة جاهلية ونادى بنداء الجاهلية العاصي يزيد، وقتل فيها أحد شباب أهل الجنة الحسين بن علي - رضي الله عنه - قتله عبد الله بن زياد، وقد بكي الإمام الحسن البصري، وقال رحمه الله: "ماذا دهى هذه الأمة قتل ابنُ دَعيِّها ابنَ نَبيِّها"؟!!. وبعد هذه الفتنة ومثلها في عهد عبد الملك بن مروان، وإن لم تكن لها مآثم في قوة مآثم الأولى، عادت الوحدة قوية لقوة الحيوية في الأمة، فلما ظهر الضعف ظهرت عوامل التفرقة،وبدأت بعض الأقاليم في الانفصال عن دولة الخلافة حتى كان عهد الخلافة العثمانية التي توسعت في الفتوحات ونشر الإسلام في بلاد جديدة داخل القارة الأوروبية والآسيوية.
ولما دب الضعف في الدولة العثمانية بدأت بعض الدول تنفصل عنها حتى كانت الحرب العالمية الأولى فقامت الدول الأوروبية بالقضاء على الدولة العثمانية، وقد قسمت البلاد الإسلامية التي كانت تابعة للخلافة العثمانية بين بريطانيا وفرنسا، وبسطت الدول الاستعمارية سلطانها ونفوذها على كثير من بلاد المسلمين.
واليوم قد توفرت على الساحة الإسلامية ظروف جديدة هي مزيج من الوعي والتحدي والتجارب تنشر بعدا إسلاميا مشرقا، فالشعوب الإسلامية الآن تشعر بضرورة التقارب والوحدة ونبذ التشرذم والتمزق الذي فرضه الاستعمار عليها.
وبث وهن وضعف البلاد والتخلف في ربوع بلاد المسلمين، فابتعدت البلاد الإسلامية عن بعضها البعض لسنوات طويلة. وكما ظهرت دعوات من المفكرين إلى الوحدة الإسلامية، تدخلت دول الاستعمار لوأدها في مهدها والقضاء عليها بشتى السبل حتى تمنع قيام هذه الوحدة؛ فالولايات المتحدة الأمريكية الآن هي وريثة الدول الاستعمارية، وهي صاحبة المصلحة في تشرذم وتمزق وتأخر المسلمين لتتمكن من السيطرة على دولهم ومقدراتهم واستنزاف مواردهم لصالح صناعاتها وبقائهم سوقاً رائجة لتجارتها ومنتجاتها، فالولايات المتحدة تهدف من وراء سيطرتها وتدخلها في الدول الإسلامية إلى تحقيق هدفين: الأول: ضمان استمرار نهب بترول تلك البلاد لصالحها وصالح الدول الصناعية في الغرب، وثانيهما: ضمان أمن وبقاء إسرائيل.
وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون في كتابه "الفرصة السانحة" الصادر عام 1992، والذي أوضح فيه السياسة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي، حيث ذكر أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط الشيوعية لم يبق أمام أمريكا عدو إلا الإسلام وقال: "إن هدف أمريكا من تواجدها وسيطرتها على الدول الإسلامية هو تأمين استمرار تدفق البترول وضمان أمن وبقاء إسرائيل" ورغم عدم وجود اتفاقيات مشتركة بينهم وبين إسرائيل، فإن هذا التزام أخلاقي تلتزم به الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا التحدي الذي يواجه الأمة الإسلامية يفرض عليها أن توحد نفسها وتتكتل ضد هذه الأخطار المحدقة بها.

ليست هناك تعليقات: