الجمعة، 26 يوليو 2013


أم النبي صلى الله عليه وسلم

السيدة آمنة رضي الله عنها

بقلم 

                                ( المستشار توفيق علي وهبه )                                     

 

نسبها الشريف رضي الله عنها :

      هي امنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر

وأمها : برة بنت عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر

     ويلتقي نسبها الشريف لابويها في كلاب بن مرة فهي من اشرف العرب نسبا من ابيها وامها

      وهي سيدة الامهات شرفا ونسبا ويكفيها فخرا انها حملت في سيد ولد ادم سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الدنيا والاخرة

       والسيدة امنة ذات حسب ونسب فهي من اسرة آل زهرة ذات مكانة عظيمة فقد كان ابوها سيد بني  زهرة وأعظمها شرفا وحسبا

       ولم يكن نسبها من جهة أمها دون ذلك شرفا ومكانة فأمها برة تجمع في نسبها عز بني عبدمناف حسبا وأصالة و طهارة وشرفا ونقاء .

           وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتز بنسبه هذا فيقول :

( مازال الله ينقلني من الاصلاب الطاهرة الى الارحام الطاهرة ، مصفى مهذبا لا تتشعب شعبتان الا كنت في خيرهما ) . ويقول : ( انا انفسكم نسبا وصهرا وحسبا ) .

 نشأتها :

      لقد نشأت سيدتنا امنة رضي الله عنها في اعز بيئة لها مكانة مرموقة من حيث الاصالة والنسب والحسب والمجد . فكانت تعرف : ( بزهرة قريش ) فهي بنت بني زهرة نسبا وشرفا .

       وكانت مخبأة عن عيون البشر ، حتى ان الرواة كانوا لا يعرفون ملامحها ، وقيل فيها : انها عندما خطبت لعبدالله بن عبدالمطلب كانت افضل فتاة في قريش نسبا وموضعا.

     لقد خطبها عبدالمطلب لابنه عبدالله بعد ان انتهى امر النذر ونجا عبدالله من الذبح بتقديم الفدء عنه كما سبق ان فدى الله جده اسماعيل ولذلك كان نبينا صلي الله عليه وسلم  يفتخر بذلك ويقول : ( انا ابن الذبيحين ) يعني سيدنا عبدالله وسيدنا اسماعيل عليهما السلام .

        وفي يوم عرسها المبارك حملت في سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه وفي يومها رأت كأن نورا خرج منها فأضاء الدنيا من حولها حتى تراءت لها قصور بصرى من بلاد الشام .

        وتذكر الروايات انها سمعت هاتفا يقول لها : ( يا آمنه لقد حملتي بسيد هذه الامة ) .

وما هي الا ايا م قليلة يقال انها عشرة ايام سافر زوجها عبدالله في تجارة الى الشام, وبقيت وحيدة لا يسليها في وحدتها الا  حملها الذي سرت به سرورا عظيما . وانتظرت على احر من الجمر عودة زوجها لتخبره بحملها المبارك .

      ولكن الزوج لم يعد حيث داهمه المرض اثناء عودته فتوفى الى رحمة الله تعالى ودفن بين مكة والمدينة .

        لقد افزع الخبر السيدة امنة وحزنت حزنا شديدا وبكت بكاء مرا وحزنت قريش كلها على وفاة عبدالله بل بكته مكة كلها .

       وتجملت امنة بالصبر على مصابها الجلل الذي لم تكن تتوقعه .

     وقد فكرت كثيرا فيما الم بها والسر وراء زواجها بعبدالله وفراقه لها بعد ايام قلائل من زواجهما , ثم وفاته قبل ان يعود وتبشره بحملها , وقد هداها فكرها الى ان السر العظيم يختفي وراء هذا الحمل المبارك ، وكانت تعلل نفسها وتعيد السبب الى ان عبدالله لم يفتد من الذبح عبثا ، بل امهله الله حتى يكون هذا الجنين الذي يتقلب في احشائها

         وجاء المخاض فكانت وحيدة ليس معها احد ولكنها شعرت بنور يغمرها من كل جانب ، ورأت أن مريم ابنة عمران ، واسية امرأة فرعون وهاجر ام اسماعيل كلهن بجانبها . فأحست بالنور ينبثق منها ومن ثم وضعت وليدها صلوات الله وسلامه عليه ، فأضاءت الدنيا بمولده المبارك صلوات الله وسلامه عليه .

   ولله در امير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله اذ يقول : -

ولد الهدى فالكائنات ضياء                      وفم الزمان تبسم وثناء

الروح والملأ الملائك حوله                     للدين والدنيا به بشراء

والعرش بزهو والحظيرة تزدهي                والمنتهى والدرة العصماء

     هكذا اكتملت فرحة امنه فوليدها بجوارها ولم تعد تشعر بالوحدة التي كانت تشعر بها من قبل وفرح الناس جميعا , ولكن فرح عبدالمطلب كان اعظم  حيث كان يرى فيه عوضا عن حبيبه عبدالله الذي اختطفه الموت في ريعان شبابه,

وفاتها :

ولما بلغ وليدها صلى الله عليه وسلم السادسة من العمر ارادت ان تصحبه في رحلة الى المدينة المنورة الى اخوال ابيه في يثرب لمشاهدة قبر ابيه وعكفت هناك بما يقارب شهرا كاملا تتذكر ايامها مع فقيدها الغالي واثناء عودتها هبت عاصفة حارة وقوية اتعبتها وأمرضتها فتوفيت الى رحمة الله تعالي في بلدة تسمى الابواء بين مكة والمدينة وهي في طريق الحج القديم ودفنت رضي الله عنها على تلة جبلية شهيرة.

      وظل قبرها هناك لسنين طويلة يعرف بقبر السيدة امنه بنت وهب ام النبي صلى الله عليه وسلم , ويفد الى هذا المكان اعداد كبيرة من الحجاج والمعتمرين القادمين من الهند وباكستان ودول جنوب شرق اسيا وايران ومصــر وغيرها, وكانوا يأتون لزيارة ومشاهدة       ( مرقد ام النبي ) صلى الله عليه وسلم محملبن بالبخور والطيب لسكبه فوق حجارة هذا المرقد المبارك .

     كما يداوم الشيعة الجعفرية الحضور لزيارة الضريح خاصة ان هناك يقع مرقد الامام موسى الكاظم حفيد سبط النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا الامام الحسين رضي الله عنهما .

       ولكن الزوار يلاقون عنتا ومضايقة من المتشددين من السكان الذين يرون في عادات وتصرفات بعض الزوار مخالفات شرعية بزعمهم .

       فيؤذونهم في مشاعرهم وفي انفسهم  وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك حيث قال : " ان الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما عظيما "      

                                                                                           سورة الاحزاب   58 

       وما درى هؤلاء الجهال ان زيارة القبور مشروعة دون ان يدخلها مايخالف  صحيح الاسلام لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها  فانها تذكر بالاخرة ) .

      هذا بالنسبة لسائر القبورفما بالنا بمراقد وأضرحة آل البيت الأطهار,والأولياء والصالحين.

      ويبدو لي أن بعض المتشددين المتعصبين الجهال قد أزالوا القبر من موضعه , ورغم ذلك يداوم المسلمون من أحباب آل البيت رضي الله عنهم علي زيارة هذا المكان .

بركاتها رضي الله :-

     ومن بركاتها رضي الله عنها ان منطقة الابواء اصبحت رياض مزهرة و منطقة زراعية ورعوية مبهرة , بعد أن كانت صحراء قاحلة , فهي تشتهر الان بزراعة الخضروات مثل الطماطم والبامية والبطيخ وبعض المحاصيل الزراعية والاشجار , وفيها مدارس لمختلف مراحل التعليم للبنين والبنات , وتتوفر فيها الخدمات الصيحة والاجتماعية , وتحفل كتب السيرة بشذرات من قصص ام النبي صلى الله عليه وسلم ووالده ضي الله عنهما وهي تتفق على انها دفنت في صعيد الابواء .

       وفي كتابه ( انها فاطمة الزهراء ) اورد الدكتور محمد عبده يماني وزير الاعلام السعودي الاسبق ان السيدة امنه بنت وهب توجهت مع احدى القوافل العائدة الى مكة بعد زيارة قبر زوجها في المدينة .....

(( وهناك في الابواء هبت عاصفة هوجاء اخرت مسيرة القافلة اياما وتهاوت السيدة امنة مريضة لا تقوى على السير ، ومن ثم اسلمت الروح بين يدي ولدها الحبيب مودعة اياه بقولها : "كل حي ميت ، وكل جديد بال ، وكل كبير يفنى ". وودع الجثمان الطاهر في صعيد الابواء ))

        واورد المؤلف في مصنفه النادر قصة زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لقبر امه بعد اكثر من اربعين سنة من فقدها . وساق حديث شريف جاء فيه (( عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى انتهينا الى المقابر فامرنا فجلسنا ، ثم  تخطى القبور حتى انتهى الى قبر منها فجلس اليه فناجاه طويلا ثم ارتفع صوته ينتحب باكيا فبكينا لبكاء الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل الينا يتلقاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وارضاه ، فقال : ما الذي ابكاك يا رسول الله فقد ابكانا وافزعنا ؟ فأخذ بيد عمر ثم أومأ الينا فقال : افزعكم بكائي ؟ فقلنا نعم يا رسول الله . فقال ذلك مرتين او ثلاثة ثم قال ان القبر الذي رأيتموني اناجيه قبر امي آمنة بنت وهب  ، واني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي )) .

        وجاء في سيرة الصحابية بركه بنت ثعلبة (( أم ايمن )) حاضنة النبي صلي الله عليه وسلم  انها كانت  مع امنه بنت وهب حين ذهبت الى المدينة لزيارة بني النجار اخوال جده عبدالمطلب ولما عادت الى مكة مرضت امنه في الطريق وتوفيت بالابواء فعادت ام ايمن بالنبي صلى الله عليه وسلم و اصبحت حاضنته واوقفت نفسها لرعايته والعناية به وغمرته بعطفها كما غمره جده عبدالمطلب بحبه فعوضه الله تعالى بحنان جده وام ايمن عن حنان الوالدين .

        رحم الله سيدتنا امنه رحمة واسعه واسكنها فسيح جناته (( مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا )) 

                                                                                 سورة الانعام 69

 

 

ليست هناك تعليقات: