الاثنين، 10 ديسمبر 2007

مناقشة هادئة لقضية نقل الاعضاء - 2


مناقشة هادئة لقضية نقل الأعضاء البشرية "2"
بقلم المستشار: توفيق علي وهبةمدير المركز العربي للدراسات والبحوث
يواصل اليوم المستشار توفيق علي وهبة ما بدأه من حديث عن نقل الأعضاء وما يرتبط به من قضايا خلافية. ويناقش في هذا المقال الرأي الشرعي في الموت الدماغي أو موت جذع المخ. القول
بأن الموت الدماغي أو موت جذع المخ ليس نهاية الحياة. بل يعتبر الشخص من الأحياء ولا تطبق عليه أحكام الميت. وهو رأي هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. والمجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي. ولجنة الفتوي بوزارة الأوقاف الكويتية. وكذا رأي مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف الصادر في دورته المنعقدة عام 1992 بناء علي الرأي الفقهي المرفوع من فضيلة الإمام الأكبر جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه الله. والذي انتهي فيه إلي عدم اعتبار مرضي جذع المخ أو الغيبوبة العميقة أمواتا بل أحياء ويجب الاستمرار في تقديم العلاج لهم ويحرم نزع أعضائهم. وقال إن موت الإنسان كما في كتب الفقه هو زوال الحياة. ومن علاماته: شخوص البصر أي انفتاح الجفون وثبات حبة العين إلي أعلي لأن البصر يتبع الروح عند خروجها وقد أخبر بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر. فإن البصر تتبع الروح. وقولوا خيراً. فإنه يؤمَّن علي ما قال أهل الميت". ويعتبر الإنسان ميتاً متي زالت عن جسده ظواهر الحياة. وبدت تلك العلامات الجسدية القاطعة في حدوث الموت. وقد قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة عام 1408ه 1984م أن المريض الذي ركبت علي جسمه أجهزة الانعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائياً وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء أن التعطل لا رجعة فيه وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً بفعل الأجهزة المركبة.. لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة. علامات موت المخ ومدي صلاحية معيار رسم المخ الكهربائي كأساس للتحقيق من حدوث الوفاة: يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم في بحثه عن نهاية الحياة البشرية المقدم إلي المؤتمر الطبي الإسلامي بالكويت عام 1984م . ليس لدينا من العلم في ذلك إلا رسم المخ الكهربائي. وهو قطعي في معظم الحالات. ولا يكون كذلك في بعض الحالات. ولقد استقر الرأي الغالب بين الأطباء علي أن موت خلايا المخ هو معيار الموت الحقيقي للإنسان إلا أنه يجب تجنب الاعتماد علي جهاز رسم المخ كوسيلة وحيدة للتحقق من حدوث هذا الموت. يقول الدكتور "جرونيه" إن جهاز رسم المخ الكهربائي لا يصلح بمفرده كوسيلة للتحقق من حدوث الموت. فهو لا يعكس من المخ إلا النشاط الغريب للمراكز العصبية. ولكنه لا يعطي معلومات كافية عن نشاط المراكز العصبية العميقة. كما أنه يحتمل ألا يعطي أي إشارات لمدة محدودة. مع أن المراكز العصبية العميقة تكون دائماً في حالة حياة. هذا بالإضافة إلي أن هناك حالات عضوية وبيولوجية لا سيما درجة الحرارة توثر علي تسجيل جهاز رسم المخ الكهربائي. ولذلك فمن الضروري للتحقق من حدوث الوفاة التأكد من عدم إمكانية إعادة الشخص إلي حياته الطبيعية مدة محددة. ففي بعض الحالات الاستثنائية مثل حالات التسمم الغامض وانخفاض درجة حرارة الجسم إلي دون معدل الحرارة الطبيعية فإن جهاز رسم المخ الكهربائي الذي لم يعط إشارات يستطيع ملاحظة هذه الحالات دون أن يعني ذلك موت المخ. ومن هذا المنطلق يقترح البعض ضرورة الانتظار مدة تتراوح بين 24 ساعة و72 ساعة بين عدم اعطاء الجهاز لأي اشارات وبين إعلان الوفاة رسمياً. مع مراعاة الاستعانة بالوسائل الإكلينيكية الأخري للتحقق من الوفاة مثل الاسترخاء التام للعضلات. والانعدام التام لرد فعل الجسم. وانخفاض الضغط الشرياني. وانعدام التنفس التلقائي. يقول الشيخ جاد الحق رحمه الله: إن هذا الذي تقرر من مثل هؤلاء الأطباء مؤيد تماماً لما قرره فقهاء المسلمين من ضرورة ظهور تلك العلامات الجسدية المؤكدة لموت الإنسان الأمر الذي يعتبر إجماعاً يحرم تجاوزه شرعاً. معجزة طبية تدحض الزعم بأن مرضي جذع المخ "الغيبوبة العميقة" أموات: ومما يؤيد أن مرضي جذع المخ أحياء ما نشر مؤخراً من حدوث معجزة طبية تحيي آمال عشرات من مرضي الغيبوبة إلي الحياة فقد نجح فريق من مركز "ويل كورنيل" الطبي في نيويورك في إعادة أحد مرضي الغيبوبة إلي الحياة مرة أخري واستطاع الكلام والأكل مرة أخري بعد ستة أعوام من السكون شبه التام. كان خلالها فاقداً لكل أنواع الاتصال بالعالم الخارجي. وذكرت صحيفة التايمز البريطانية في أول أغسطس 2007 أن الأطباء استطاعوا أن يعيدوا الحياة لهذا الشخص البالغ من العمر 38 عاماً. من خلال استخدام تقنية متقدمة بزرع خلايا صغيرة عبارة عن أقطاب كهربائية تسمي "دي بي إس" داخل الجزء الحي في المخ تعمل علي استثارة هذا الجزء وتنبيهه وإعادته إلي العمل بصورة أفضل. ونتيجة لذلك تحسن أداء مخ المريض بصورة مذهلة. والآن يستطيع أن يأكل بنفسه ويتحدث مع والديه والأطباء كما يقوم بقضاء بعض حاجاته الشخصية البسيطة. وما حدث لهذا المريض وإعادة الوعي إليه بالسبل العلاجية يؤكد الرأي القائل أن مرضي جذع المخ أو الغيبوبة العميقة أحياء ولا يمكن اعتبارهم موتي بأي حال من الأحوال. نقل الأعضاء البشرية بين الحل والتحريم: أجازت المجامع الفقهية والبحثية نقل الأعضاء من جسم الإنسان إلي آخر بعد ثبوت الوفاة بالشروط المحددة شرعاً فقد وافق مجمع البحوث الإسلامية علي ذلك في دورته الحادية والعشرين لعام 1404/1405ه 1984/1985م. وفي دورته المنعقدة عام 1992. تقدم شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق رحمه الله ببحث بيَّن فيه الوجهة الشرعية لهذا الموضوع فقال: إن الشرع يأذن بنقل جزء من جسم المعطي إلي جسم المريض المتلقي إذا كانت المصلحة المترتبة علي ذلك أعظم من المحافظة علي حق الله في جسم الإنسان المأخوذ منه. ويحرم شرعاً ويمنع قانوناً التعرض للمحتضر بقطع أي جزء قاتل من جسده قبل انتهاء حياته بظهور علامات الموت سالفة الذكر. فإذا وقع هذا من أي إنسان علي المحتضر قبل استظهار وقوع الموت به بتلك العلامات كان قاتلاً إذا انتهت الحياة أو بقيتها بهذا القطع. ووجب محاكمته جنائياً. فلا يجوز شرعاً قتل إنسان حياته مستقرة أو مستمرة لإحياء إنسان آخر. وقد استظهر هذا وأيده أهل الاختصاص في المؤتمرات العلمية. وثبت طبياً وعلمياً أن جهاز رسم المخ لا يصلح وحده دليلاً تقرر به وفاة الإنسان المريض. بل لابد مع استخدامه من ظهور تلك العلامات الجسدية علي الوجه الذي قرره الفقه الإسلامي مستمداً من السنة النبوية الشريفة. وبهذا الرأي أخذ مجمع البحوث الإسلامية في دورته عام 1992 بأن أجاز نقل الأعضاء بعد ثبوت الوفاة شرعاً. ومنع النقل من أصحاب الغيبوبة العميقة ومرضي جذع المخ باعتبارهم أحياء حتي تثبت وفاتهم شرعاً حسب الشروط والقواعد التي حددها الفقهاء والتي سبق أن أشرنا إليها انفاً.

ليست هناك تعليقات: