السبت، 18 أكتوبر 2014

بقلم:
المستشار توفيق علي وهبة
رئيس المركز العربي للدراسات والبحوث
الهجرة النبوية المباركة هي الحدث الهام في تاريخ الدعوة الإسلامية. لقد هاجر النبي صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة لتبدأ حركة الإسلام في الصعود والانتشار. وتبدأ مواكب النصر وأحداثه تتوالي علي أمة الإسلام.
لقد ضاقت مكة بالمسلمين. فعذبوا واضطهدوا وأوذوا. حتي إذا لم يكن هناك أمل في إيمان أهل الشرك والضلال في مكة أذن الله سبحانه وتعالي لرسوله صلي الله عليه وسلم باالهجرة ومن ثم جميع المسلمين. خرجوا من بلدهم نجاة بدينهم. إلي بلد آخر يرحب بالدعوة ويناصر الداعية. يقول سبحانه وتعالي: "إلا تنصروه فقد نصره الله".
لقد هجر المسلمون ديارهم وأموالهم وكل ما يملكون سعيا في الوصول إلي مرضاة الله سبحانه وتعالي. وتقربا إلي رحاب مولاهم جل وعلا فكانت هجرتهم فتحا ونصرا للإسلام والمسلمين وبدءا لتأسيس دولة الاسلام.
وإذا كان اسم التصوف بمعناه الشرعي لم يعرف إلا في القرن الثاني وأوائل الثالث الهجري وهو طريق السالكين إلي الله. فالإنسان لا يتأتي له أن يلج باب الله أو يسير في الطريق إليه إلا بالعبودية الخالصة له. وحده لا شريك له.
فإذا ما خلصت العبودية لله وحده أصبح الإنسان من عباد الله المخلصين. وحقق بذلك "إياك نعبد وإياك نستعين" فإن الله سبحانه وتعالي لا يجعل للشيطان عليه سبيل.
وإذا ما حقق الإنسان العبودية لله. فإن الله يتولاه بالإمداد بالمعرفة. ومن ثمرة تحقيق الإنسان العبودية أن يغمره الله بالرحمة ويفيض عليه بالعلم.
ولا يجهل أحد من المسلمين. ولا من المهتمين بدراسة الحركات والفرق والمذاهب الإسلامية أن أول متنسك في الاسلام هو سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم. وقد ترسم الصحابة رضوان الله عليهم خطاه واسترشدوا بهداه. وظهر من بينهم زهاد وعباد ومتنسكون فهناك أبوذر وصهيب وحذيفة وأبوالدرداء وأبوهريرة وعمران الخزاعي وغيرهم.
ولم ينكر أحد من الصحابة علي هؤلاء أو غيرهم تنسكهم وزهدهم. واعترف لهم كثير من الصحابة بكرامات ومعارف لا تتاح لكافة المسلمين.
ولقد عد كثير من المفكرين أن أهل الصفة وهم جماعة من فقراء ومتنسكي المسلمين في مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم أنهم من أوائل أهل التصوف.
يقول ابن خلدون "ان سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم لم ينكروا علي هؤلاء عملهم واعتبروه طريق الحق والهداية. فأصلها هو العكوف علي العبادة والانقطاع إلي الله تعالي. والاعراض عن زخرف الدنيا وزينتها. والزهد فيما يقبل عليه الناس من حب الدنيا وحيازة المال والجاه. بل هم ينفردون عن الخلق في الخلوة للعبادة.
وقال عن طريقهم ان هذا العلم "أي علم الصوفية" من العلوم الشرعية الحادثة في الملة.
وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف. فلما فشا الاقبال علي الدنيا في القرن الثاني وما بعده. وجنح الناس إلي مخالطة الدنيا. اختص المقبلون علي العبادة باسم الصوفية والمتصوفة.
ان قيام هؤلاء بالخلوة والمجاهدة والذكر. انما يتأسون بما كان عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة الصالح من العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.
ومن هذا المفهوم لصحيح التصوف فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الاطهار هم أول من حقق العبودية الكاملة لله تعالي. وهم أول من حقق مفهوم التصوف بمعناه السلفي الصحيح.
فإذا كان مفهوم التصوف هو افراد الله سبحانه وتعالي بالعبودية. وهجر الذنوب والمعاصي. فإن المسلمين الأوائل هم خير من فعل ذلك. ولذا فهم أول من يمكن وصفهم بأنهم أهل الطريق. ومن بعدهم جاء العباد والزهاد. وهم أيضا من أوائل من سلكوا الطريق إلي الله بمعناه عند أكابر أهل التصوف من أخذ النفس بالزهد والعبادة.
لقد أخذ الصوفية علمهم وعملهم وعباداتهم من كتاب الله وسنة رسوله. وهم أول من تسموا بأهل السنة والجماعة. فهم يسيرون علي منهج القرآن الكريم. وعلي ما رسمه رسولنا صلي الله عليه وسلم. وما سار عليه خلفاؤه وصحابته رضي الله عنهم.. ومن شذ عن ذلك فليس من الصوفية. ولا يجوز له الانتساب إلي أهل الطريق. بل هو دخيل. يسئ إلي التصوف بل وإلي الإسلام الحق الذي جاء به سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم.
ان هؤلاء وأشباههم يجب ان يطردهم أهل التصوف من بينهم. وأن يطهروا صفوفهم من أمثالهم.
ان التصوف مظهر من مظاهر التدين الحقيقي عند المسلمين لأنه المرآة التي تنعكس علي صفحتها الحياة الروحية الاسلامية. وعلي ذلك فإن العاطفة الدينية الاسلامية في صفائها ونقائها تظهر عند الصوفية اكثر من غيرهم.
ان أولياء الله هم الذين عرفوا الطريق إليه حق المعرفة. فجاهدوا أنفسهم ووهبوها لمولاهم سبحانه وتعالي. وتمتعهم يقول المولي عز وجل "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
ولذلك إذا أردنا أن نوجه النشء ونربيهم تربية صحيحة علي اسس الاسلام وقواعده أن نقدم لهم التصوف السني الصحيح النابع من الأصلين الاساسيين للإسلام وهما الكتاب والسنة. وان نقدم لهم الاسوة الحسنة. وان نبين لهم كيفية سلوك الطريق إلي رب العالمين.
أن نعلمهم فضائل التسامح والصدق والايثار والاخلاص وغيرها من الفضائل ومكارم الاخلاق.
وان نضرب لهم الأمثلة بمن يقتدي بهم من أكابر أهل التصوف فهؤلاء الأولياء لهم كرامات لا ينكرها علماء المسلمين. بل ان أعداء التصوف أنفسهم لا يمكنهم انكار هذه الكرامات.
ولكن بعض الصوفية غالوا في هذه الكرامات حتي رفعوها إلي درجة المعجزات. والبعض الآخر ألصق بها كثيرا من الخرافات وأدخل عليها ما يخالف صحيح الاعتقاد. وكذا ما يدخل في علم الغيب. وكثير من ذلك مدسوس عليهم لتشويه صورتهم والكيد لهم.
لذا فإنني أطالب بتنقية كتب المناقب والكرامات وكتب الطبقات بل سائر كتب التراث مما لحقها من دسائس ونقائص وما شابها من مخالفات. حتي يجد شباب الأمة فيها ما يحفزهم علي الاقتداء بأسلوبهم ان الهجرة مستمرة علي الدوام في اطار ان المهاجر من هجر ما نهي الله عنه فعلي كل مسلم ان يهاجر المعاصي والذنوب وأن يهاجر إلي الله سالكاً طريق الطاعة متمثلا قول ربنا جل وعز "إني ذاهب إلي ربي سيهدين" والله سبحانه الهادي إلي سواء السبيل.


------------------------------------

ليست هناك تعليقات: