الأربعاء، 5 نوفمبر 2014


رحم الله العالم الجليل الشيخ عبدالكريم الخطيب
صاحب كتاب التفسير القرآني للقرآن
==============================================

تقديم الطبعة الأولى

                                                         بقلم الأستاذ

                                                     عبدالكريم الخطيب

                                             - 1 -

ساق إلى القدر المسعد سانحة من سوانح الفرص الطيبة فاطلعت على كتاب "شبهات وانحرافات فى التفكيرالإسلامي المعاصر" للأستاذ توفيق على وهبه وذلك فى أصوله المقدمة للمطبعة وأنا فى شأن من شئونى الخاصة مع القائم على نشر هذا الكتاب ،حيث وقعت عيني على إسم الأستاذ توفيق على وهبه و إسم هذا الكتاب الذى أعده للنشر ..فأغراني ذلك إلى استعارة هذه الأصول ليومين أو ثلاثة أصحب فيها الأستاذ توفيق صحبة المستفيد من مغارسه الجديدة فى الحقل الاسلامى، اذ كان الأستاذ فيما قرأت له من مؤلفات وبحوث موكلاً - بدافع من غيرته على دين الله والنصح للمسلمين – بالتصدى فى عزم وإخلاص لكل ما يبدو فى أفق الإسلام من وجوه الضلال وما ينعقد فى سمائه من غيوم تنبعث من عقول مريضة وتتوالد من جراثيم الجهالة والغباء حيث تحجب رؤية حقائق هذا الدين عمن يأخذون معارفهم من أسماء إرتفعت الدعايات والمناصب بأصحابها إلى مكان الصدارة فى الناس ومن غير أن ينظرو فيما يقولون وحسبهم أن يقولوا فى أنفسهم ،أو لمن يصحح لهم ما ألتقطوا من هذه المقولات : إنها قولة فلان،أو فلان !أو فلان !! وهل بعد قول فلان أو فلان تعقيب لمعقب أو نظر لناظر ؟

 والذي كان من الأستاذ توفيق أنه نصب نفسه لتعقب مثل هذه المقولات الخاطئة التي تجري علي الأقلام أو الألسنة في أمور الدين من هؤلاء الذين وضعتهم الظروف في مكان الصدارة  للفتيا  في الدين حيث ينفسح لهم المجال في وسائل النشر والإعلام وإذ مقولاتهم تدخل كل بيت وتتراءى لكل عين !!

    ولولا أن الأستاذ توفيق كان له من وثاقة دينه، وقوة إيمانه ما يجعله يستخف بكل معوق يلقاه علي طريق الدفاع عن دين الله والجهر بكلمة الحق - لولا هذا لما أقدم علي مواجهة هذه القوة الجارفة ولآثر كما آثر كثيرا غيره - أن ينكر هذا المنكر بقلبه ولما دخل في موضوع الصراع بقلمه ولسانه .. ولكنه كان عند قوله تعالي " ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره علي الله )" ( النساء :100)  , وعند قول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه " الدين النصيحة .. قالوا لمن يا رسول الله قال لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " , وقوله صلي الله عليه وسلم :  "  من  لم يحمل هم المسلمين  فليس منهم  " . 

       وها هو ذا الأستاذ  توفيق يمضي في طريق جهاده وهجرته  إلي الله غير عابئ  بما يلقاه علي  طريقه من جهد ومشقة راجياً من الله سبحانه وتعالى أن يمضي له  هجرته ويثبت قدمه علي  طريق  جهاده ..  والله تعالي  يقول : "   يثبت الله الذين آمنوا  في الحياة الدنيا وفي الآخرة   " ( إيراهيم :  27  )

                            

                                                  - 2 -

وهذا الكتاب :  " شبهات وانحرافات في التفكير الإسلامي  المعاصر "   والذي  قرأته في أصوله المقدمة للنشر  هو سيف من سيوف  الحق يضرب  به صاحبه في وجوه الباطل المتزاحمة المتداعية علي الإسلام في هذا العصر مما  تأثروا بالعلمانية الأوربية التي أغواها إنتصار العقل في مجال الطبيعة حتي دفع بها ذلك إلي الإيمان بالعقل  فلا دين إلا ما يمليه العقل  ولا حكم  إلي  بما يقضي به العقل ..

 ومن هنا استباح  كثير منا -  أبناء الإسلام - أن يتأولوا  كلام الله و كلام  رسوله  بما يستجيب  لمنازع تفكيرهم ولو خرجوا في ذلك عن مقررات الدين وأعراف اللغة  وبهذا قدموا العقل علي الدين  والهوى على الحق .. ومن هنا كانت تلك الانحرافات التى وقع فيها الكثير من الشباب المسلم الذي استباح لنفسه أن يفتى فى الدين بغير علم ، وأن يقيم دينه على شفا جرف هار من الهوى والحماس الشيطانى فكانوا من الذين قال الله فيهم ( أرأيت من إتخذ إلهه هواه ؟ أفأنت تكون عليهم وكيلاً)[الفرقان :43]

 وقوله سبحانه وتعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً)[فاطر:8]

                                - 3 -

وميزة هذا الكتاب- كما هى الميزة فى كل مؤلفات صاحبه – أنه يصدر من رجل جمع بين الثقافتين المدنية والدينية..

فهو – أولاً : قد استوفى حظاً كاملاً من الدراسات المدنية الحديثه التى تدرس فى كليات الحقوق فكان أحد أبناء هذه الكليات..ثم مارس هذه الدراسة فى مجالها التطبيقي فأفاد من ذلك خبرة واسعة بالحياة الاجتماعية وما يدور فيها من صراع بين الحق والباطل وبين أولياء الحق ودعاة الباطل .. وفى هذا المجال الفسيح رأى أن الغلبة دائماً للحق وأنه إذا هزم فى موقف وموقف فإن النصر آخر الأمر له ولأهله مصداقاً لقوله تعالى  :( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق )[الأنبياء :18]

ولقوله تعالى ( وقل جاء الحق وزهق الباطل..إن الباطل كان زهوقاً)

[ الإسراء:81]

 ثم هو – ثانياً : لم يقف عند دراسة الثقافة المدنية وماأفاد منها من الإيمان بالحق وشد يده عليه والانتصار له - بل حمله ذلك على أن يطلب الحق من آفاقه العليا وأن يرد موارده من عند الله فأقبل على دراسة كتاب الله وسنة  رسوله  وسيرة السلف الصالح من صحابة رسول الله والتابعين..

     نعم لقد ورد موارد الشريعة الإسلامية، ومعه عقله الحصيف ،وذهنه المتوقد بما حصل من علم ومعرفة فكان له من ذلك من زاد طيب استطاع به أن ينفذ إلى كثير من أسرار الشريعة فكان بهذا من الذين قال فيهم :

( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها الإ العالمون )[ العنكبوت :43].

   ولهذا كان ما يقوله الاستاذ توفيق فى أمور الدين،ليس مجرد نقول  مما أودع فى الكتب أو حفظ فى الصدور كما يفعل ذلك كثير من الكتاب حيث تجئ مقولاتهم جثثاً هامدة ، ليس فيها نبضة حياة من نبضة عقل أو خفقة قلب !

     فإذا قال الأستاذ توفيق فى كتابه هذا أو فى غيره من كتبه - فإذا قال قولة فى أمور الدين ,  فإنما يتناولها من شريعة الله بعقل العالم وقلب المؤمن ..وبهذه  المزاوجة بين العقل والقلب أو بين العلم والدين يتجلى الدين فى أروع آياته ،وأنضر وجهه ..فإن الدين من غير علم هو دين هش ،لا يرتبط بالعقل ولا يثبت فى قلب ..وكذلك العلم من غير دين هو هشيم تذروه الرياح لأول هبة تهبها عليه!!!

                                  - 4 -

    وبعد فإنى أدع القارئ وهذا الكتاب وإنى لضامن له أن يخرج منه بمحصول وفير من الحقائق التى توثق الصلة بينه وبين دينه ، وترفع لعينيه منارات الهدى إلى كتاب الله وسنة رسوله وتعفى على تلك الهلوسات التى تزخم الحياة من حوله فيما ينادي به المنادون من التأويلاات الفاسدة لبعض آيات الكتاب الكريم ومن القول بإسقاط بعض الأحكام التى جاءت بها السنة ، ثم القول بإفساح المجال للإسرائيليات  التى تدسست إلى بعض كتب التفسير ثم تلك البدع التى أخذت مكانها عند كثير من المسلمين كفرض من فرائض الدين كالاحتفال بليلة النصف من شعبان وغيرها من الاحتفالات الدينية الحادثة فى الملة..

وهكذا تصدى المؤلف فى كتابه لكثير من المقولات ةوالبدع المنكرة مؤيداً ذلك بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وبمنطق العقل الذي يجد فى حقائق الدين ما يجعله يقف خاشعاً متخاضعاً بين يدي تلك الحقائق وسلطانها القاهر.

    ومرة أخرى أقول :هذا هو الكتاب بين يدي قرائه فليتدبروه، وليقطفوا من ثماره الطيبة وليتزودوا منه كل بما يوفقه الله تعالى ويعينه عليه ..

     وحسب المؤلف من هذا أن يكون من أهل هذه القولة النبوية الشريفة للإمام على - رضى الله عنه - : " ولأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم "

( وان الله لهادى الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ) صدق الله العظيم

القاهرة في أول يناير 1977

                                                         عبد الكريم الخطيب

                                  الاستاذ بقسم الدراسات العليا بكلية الشريعة

                              جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية (سابقاً)

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات: