المستشار توفيق وهبة يكتب:العقاد والتراث الاسلامي
يرد كثير من الباحثين اهتمام العقاد بالتراث العربى والإسلامى إلى ضرب من الايمان استقر فى يقينه …. ولما كان التراث العربى مرتبطا بالعقيدة الإسلامية ارتباط نشأة وفكرة وأصالة وملازمة فقد كان طبيعيا أن يحرص العقاد على التراث العربى ويعزه ويحرص على العقيدة الراسخة واليقين الدائم
كان العقاد مؤمنا شديد الإيمان بالله وقد أعانته البيئة التى نشأ فيها والجو الذى درج فيه على أن يستقر فى اعماقه أصول وعى دينى عميق , وكان الفكر الإسلامى على يد العقاد صالحا للرواج فى الأوساط التى تنكر الأديان وبعامة الإسلام وبخاصة وأعنى بالرواج دوام النظر والتامل وإن لم يدفع إلى الاعتناق لأن الإيمان لدى الكثيرين ليس قضية اقتناع بالدليل ولكنه إرث يمتد إلى الأحفاد لدى الكثرة الكاثرة إلا من استضاء بمصابيح الأمل بعيدا عن الجوانب والحوائل…
لقد كتب العقاد مؤلفاته الإسلامية جميعها وفى اعتقاده أن قارئه لجوج ملحاح يريد الدليل المقنع والمنطق الجاد ويتربص بالثغرات والمنعرجات ليصل منها إلى ما يريد من الصفاء فكانت هذه المؤلفات جميعها نمطا من الجدل الهادف ذى الحسم الواضح والبحث فيما ندركه فى ميدان الفكرالإسلامى…
عموما نجد أنه ترك تراثا أصيلا متميزا شمل نواحى عديدة من عقيدة وفلسفة وتاريخ وشخصيات ودراسات وغير ذلك من ألوان الإبداع الفكرى والأدبى
والعقاد حين يكتب عن الإسلام يقدمه على أنه نظام كامل يحدد الخطوط العامة لإقامة مجتمع كبير متكامل فى مختلف الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
وهده الدراسات ولأبحاث يلبي فى كتاباتها العقاد أمران
ألأول : الدفاع عن الإسلام ضد أباطيل خصومه .
الثانى : تقديم الصورة الحقيقة للإسلام
والأمران كما هو واضح وجهان لعملة واحدة مفادها أنه حيث يبحث عن الإسلام بمعناه الصحيح فانه يدافع ضمنا عن الإسلام
ومن أهم كتب العقاد التى تبرز فكره الإسلامي المتميز : الله مطلع النور- حقائق الإسلام وأباطيل خصومه – مايقال عن الإسلام – التفكير فريضة إسلامية – الشيوعية والإنسانية فى شريعة الإسلام – الديمقراطية فى الإسلام – الفلسفة القرآنية – الإنسان فى القرآن – المرأة فى القرآن – الإسلام فى القرن العشرين – الإسلام دعوة عالمية – الإسلام والحضارة الإنسانية – الإسلام والإستعمار – النازية والأديان .
وسنعرض بايجاز لمنهجه الفكرى فى هذه الكتب :
- الله : موضوع هذا الكتاب – كما يقول العقاد – نشأة العقيده الإلهية منذ اتخذ الإنسان ربا إلى أن عرف الله الأحد , واهتدى إلى نزاهة التوحيد , وقد بدأ الكتاب بأصل الاعتقاد فى الأقوام البدائية , ثم لخص عقائد الأقوام التى تقدمت فى عصور الحضارة , ثم عقائد المؤمنين بالكتب السماوية , وشفع ذلك بمذاهب الفلاسفة العصرية وكلمة العلم الحديث فى مسألة الإيمان
- مطلع النور : وموضوع هذا الكتاب عن البعثة المحمدية وماتقدمها من أحوال العالم وأحوال جزيرة العرب وأحوال الأسرة الهاشمية والخلاصة التى تنتهى اليها هذا الكتاب هو أنه صور لنا طوالع البعثه وما تقدمها من أحوال الأمة العربية وأحوال العالم , وكذلك تضمن قصة النور وكيف نشأت فى غشاوات الجهالة , وقصة الإيمان وكيف قضى على الشرك
- حقائق الإسلام وأباطيل خصومه: وهذا الكتاب يرد على سؤالين هل للدين حقيقة قائمة ؟ وهل للدين ضرورة لازمة ؟ سؤالان متشابهان بل سؤال واحد فى صورتين مختلفتين .ويقول العقاد فى مقدمة كتابه أن أكبر الشبهات التى تعرض عقول المشككين والمنكرين شبهتان : هما شبهة الشر فى العالم وشبهة الخرافة فى كثير من العقائد الدينية , وخلاصة شبهة الشر أنهم لا يستطيعون التوفيق بين الشر فى العالم وبين الإيمان بإله قدير كامل فى جيع الصفات وخلاصة شبهة الخرافة فى كثير من العقائد الدينية أنهم لا يستطيعون التوفيق بين العقائد وبين المحسوسات والمعقولات التى تتكشف عنها معارف البشر كلما تقدموا فى معارج الرقى والادراك ويشمل الكتاب على أربعة فصول فيها العقائد والحقوق والمعاملات والفصل الرابع عن أخلاق والآداب
اولا : أن الاسلام يوحى إلى المسلم عقيده فى الذات الالهية , وعقيدة فى الهداية النبوية , وعقيدة فى الإنسان لا تعلوها عقيدة فى الديانات ولا فى الحكمة النظرية أو الحكمة العلمية .
ثانيا : أن احكام الإسلام لا تعوق المسلم عن غاية تفتحها أمامه أشواط العلم والحضارة
ثالثا : أن فى الإسلام زادا للأمم الإنسانية فى طريق المستقبل الطويل يواتيها بما فيه غنى لها حيث نضبت الأزواد من مطالب العقائد الروحية أو تكاد
والكتاب فى مجمله يقدم حقائق الإسلام وأباطيل خصومه فى العصر الحاضر وهو يفصح فى كل فصوله بل فى كل صفحاته عن فكر العقاد الإسلامى الرصين المتميز الذى يثبت بحق أن العقاد عملاق الفكر والأدب الإسلامى بلا منازع
- الفلسفة القرآنية : وموضوع هذا الكتاب هو صلاح العقيدة الإسلامية و الفلسفة القرآنية لحياة الجماعات التى تدين بها وتستمد منها حاجاتها من الدين الذى لا غنى عنه, ثم لا تفوتها منها حاجتها إلى العلم والحضارة ولا استعدادها لمجاراة الزمن حيثما اتجه مجراه
- ما يقال عن الإسلام : يعرض هذا الكتاب لأشتات من الكتب الحديثة التى يؤلفها الغربيون عن الإسلام والأمم الإسلامية ويرى العقاد فيها اختلافا بين الصواب والخطا أو الصدق والكذب أو حسن النية وسوئها وقد فند هذه الكتب ورد على ما فيها من شبهات وانحرافات
ويظهر فكر العقاد ا|لإسلامى المستنير فى قوله فى هذا الكتاب : أن العقيدة الدينية سند للروح تعتمد عليه فى شدائد الحياة وقسطاس للآداب والعادات ترجع إليه فى قياس الأخلاق والأعمال , وأنها بالنسبة للجماعات أو للأمم التى تدين بها قوة فعالة ولو من طريق المقاومة يحسب لها حسبانها فى التاريخ واالاسلام بهذه الصفة عقيدة فردية اجتماعية لا يجاريها دين من الأديان .
6-الإسلام دعوة عالمية : هو مجموعة من المقالات حول موضوع الدعوة الإسلامية جمعها الأستاذ محمود احمد العقاد بعد وفاة المؤلف رحمه الله وهذه المقالات تدور حول محور هو أن لإسلام دعوة عالمية موجهة إلى الناس كافة فى كل زمان ومكان ويقع الكتاب فى خمس موضوعات هى نبى الإسلام – رمضان والصيام – الأعياد الدينية وحكمتها الخالدة – الإسلام والمسلمون – مباحث فى القرآن الكريم .
- التفكير فريضة إسلامية : كتبه العقاد تأففا من قوم يدعون أنهم درسوا الإسلام وتبطنوا حقائقه فرأوه يدعو إلى الانقياد والتسليم دون تفكير وتأمل , وهؤلاء يكذبون عن عمد حين زعموا أنهم درسوا الاسلام فانتهوا إلى نتيجتهم الباطلة لأن دارس الإسلام لابد ان يقف على نصوص القرآن والحديث وتطبيق السلف لما جاء بها وكل ذلك يدل دلالة صريحة على أن الإسلام دين العقل
لهؤلاء وأمثالهم وضع العقاد هذا الكتاب ليؤكد أن التفكير فريضه إسلاميه محتومه وأن مزية القرآن الأولى هى التنويه بالعقل والتعويل عليه
- الديمقراطية فى الإسلام : يعرض هذا الكتاب فكرة الديمقراطية كما أنشأها الإسلام , فيقدم معنى الديمقراطية عامة والديمقراطية فى الأديان الكتابية ثم الديمقراطية العربية .
- المرأة فى القرآن الكريم : تدور مسألة المرأة فى جميع العصور على جوانب ثلاثة تنطوى فيها جميع جميع المسائل الفرعية التى تعرض لها فى حياتها الخاصة أو حياتها الاجتماعية وهذه الجوانب الثلاثة الكبرى هى :
ثانيا : حقوقها وواجباتها فى الأسرة والمجتمع .
ثالثا : المعاملات التى تفرضها لها الآداب والأخلاق ومعظمها شئون العرف والسلوك . ويحاول هذا الكتاب بيان موضع هذه الجوانب فى القرآن الكريم وخلاصة القول فى ذلك أن آيات الكتاب الكريم قد فصلت القول فى هذه الجوانب جميعا وكانت فى كل جانب منها فصل الخطاب الذى لا معقب عليه إلا من قبيل الشرح واستدلال بالشواهد المتكررة التى تتجدد فى كل زمن حسب أحواله ومدارك أبنائه .
فالصفة التى وصفت بها المرأة فى القرآن الكريم هى الصفة التى خلقت عليها أو هى صفتها على طبيعتها التى تحيا بها مع نفسها ومع ذويها والحقوق والواجبات التى قررها كتاب الإسلام للمرأة قد أصلحت أخطاء العصور الغابرة فى كل أمة من أمم الحضارات الغابرة
وقد بنيت حقوق المرأة فى القرآن الكريم على أعدل أساس يتقرر به إنصاف صاحب الحق وإنصاف سائر الناس معه وهو أساس المساواة بين الحقوق والواجبات
- - الإنسان فى القرآن الكريم : هذا الكتاب يبحث فى موضوع نشأة الإنسان فى مذاهب الفكر والعلم او مذاهب الحدس والخيال وهو يتناول الإنسان وتطوره فى الغرب والشرق ويبرز نشأة الإنسان فى القرآن الكريم ويدحض كل ما يخالف النظرة الإسلامية فى قضية الخلق .
ومن مجالات فكر العقاد المتجدد فكره السياسي , فقد كان هو الكاتب البارز في صحيفة البلاغ , وهي جريدة الوفد الأولي , فقد كان كاتبها الجريء , وسهمها النافذ .
ولم نر كاتبا سياسيا مثله يكتب كل يوم مقالة سياسية طول اشتغاله بالسياسة الي جانب ما يكتب من كتب ومقالات في الأدب والفلسفة والتاريخ والترجمة .
ورغم أن العقاد كان يكتب في صحف الوفد الا أنه لم يكن كاتبا حزبيا بل كان متحررا من عقدة الانتماء الحزبي
لقد كان العقاد مناهضا للاستعمار والمستعمرين , مدافعا عن آرائه في الحرية والاستقلال , كما كان مناهضا للشيوعية وغيرها من المذاهب الهدامة , ووقف بكل حزم يدافع عن الفكر الاسلامي والعقيدة الاسلامية
لقد كان فكر العقاد معبرا عن كل ما يخدم الانسان ويخدم المجتمع , فهو مقاتل صنديد ضد الأفكار المنحرفة والالحاد والخرافة , وضد أعداء الدين في الداخل والخارج فكشف شبهاتهم ورد أباطيلهم .
ومن جرأته النادرة في ابداء رأيه دون خوف قولته الشهيرة ” ان الأمة علي استعداد أن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه ” .وقد حوكم ودخل السجن من جراء كتاباته السياسية الجريئة ..
ان شخصية فذة مثل العقاد , لا تفي مثل هذه الوريقات بحقه ولو حرصت . فقد ساهم مساهمة فعالة في بناء وتصحيح الفكر الرشيد في القرن العشرين , فهو جدير أن يكتب عن فكره عشرات الكتب , وتناقشه العديد من المؤتمرات , فهو صاحب المساهمات المتميزة في النهوض والارتقاء بالمجتمع , وتعديل السلوك والفكر المنحرف, وتوجيه المسلمين وغير المسلمين الي حقيقة وعظمة الاسلام . وأنه دين الله الخالد الذي أوحي به الي جميع أنبيائه ورسله .
لقد كان للعقاد دور بارز في تنمية واثراء الفكر الانساني , والعطاء المتجدد في المجالات المتعددة , مما يفيد المجتمع الانساني ويضع الانسان في وضعه الصحيح بعيدا عن الانحرافات الفكرية , والمذاهب الهدامة , والدعوات المضللة
ولا نغالي اذا قلنا ان العقاد صاحب فضل علي أكثر المفكرين المعاصرين , ان لم نقل كلهم , فقد نهل الجميع من فكره , وتتلمذوا علي مؤلفاته , وتاثروا بمنهجه في البحث والتأليف .
رحم الله العقاد رحمة واسعة , فقد صارت أمتنا بفكره تمتلك فكرا أصيلا متجددا , يأخذ بالناس الي طريق الرشاد .
وسلام علي العقاد في الخالدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق