المستشار توفيق وهبة يكتب :التدابير الزجرية والوقائية فى التشريع الجنائي الإسلامى
شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يكون الإسلام خاتم الرسالات . وتكفل بحفظه وحمايته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حيث قال: ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” .
والإسلام دين عالمى ، يخاطب الإنسان فى كل مكان وزمان ، فليس مقصورا على قوم دون قوم ولا جنس دون جنس ، والخطاب فى القرآن الكريم موجه إلى الناس كافة حيث يقول:
” يا أيها الناس اعبدوا ربكم ” .
وحيث كان الأمر كذلك فقد اشتمل الاسلام على الأحكام والقواعد التى تحكم تصرفات الإنسان من الناحيتين الدينية والدنيوية ، فبين له طريق الخير وحببه فيه وأمره باتباعه . وبين له طريق الشر ونفره منه وأمره باجتنابه .
ولقد عمد الإسلام إلى تنمية دوافع الخير فى الانسان واجتثاث بذور الشر منه ، وأعد الجزاء الحسن لمن اتبع أوامر الله واجتنب نواهيه ، وأعد العقاب الشديد لمن عصى واتبع طريق الشيطان .
والإسلام لم يشرع الزجر والعقاب على الجريمة بعد وقوعها فقط بل اتخذ كثيرا من التدابير الوقائية التى تمنع وقوع الجريمة أصلا .
ومن أهم التدابير الزجرية فى الشريعة الاسلامية هو تقرير وتشريع العقوبات التى توقع على مرتكبى الجرائم . وقد نهج الاسلام فى ذلك نهجا فريدا . وذلك على الوجه التالى :
أولاً : حدد عقوبات معينة لجرائم معينة ، وهى جرائم الحدود والقصاص نظرا لخطورتها على المجتمع وعلى الافراد أنفسهم ، فشرع عقوبات رادعة لمرتكبى هذه الجرائم حتى يردعهم عن العودة إليها ، ويزجر غيرهم فلايقربوها
ثانياً : حرم الكثير من الأفعال ، ولكنه لم يضع لها عقوبات محددة ، وترك ذلك لولى الأمر ليحدد العقوبة المناسبة للجريمة وللشخص الذى يرتكبها . وهذه السلطة التى منحها الشارع لولى الأمر هى ما تعرف فى التشريعات الحديثة بتفريد العقاب . وهى منح القاضى سلطة تشديد العقوبة على شخص معين نظرا لما يراه من ظروف تستدعى هذا التشديد . وتخفيضها عن شخص آخر للظروف التى يرى أنها تستحق ذلك , كما منح ولى الأمر سلطة تحديد الجرائم غير المنصوص عليها وتحديد عقوباتها حسب ما تقتضيه المصلحة العامة ….
وهذه العقوبات التى لم يحددها الشارع سلفا هى التعزيرات . وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى اعتبار هذه التعزيرات زواجر لأنها تزجر الأفراد عن اقتراف الفعل المحرم .
ولكننا إذا نظرنا إلى العقوبات كلها من حدود وقصاص وتعزير نجد أنها كلها زواجر ، فتشريع العقوبة فيه زجر للناس وتخويف لهم من الإقدام على الفعل المحرم . وتطبيق العقوبة وعلانية هذا التطبيق فيه زجر وردع للآخرين ، بجانب أن فيه عقابا واصلاحاً للجانى نفسه ، لأنه لن يفكر فى العودة إلى الجريمة تفاديا للعقاب ومنعا من افتضاح أمره بين الناس .
فالهدف من تنفيذ العقوبة علنا وعلى رؤوس الأشهاد هو زجر العامة وتخويف المجرمين . ولا يقصد من هذا الإعلان إذلال المجرم أو امتهان كرامته ، فقد منع رسول الله صلى الله عليه وسلم تعيير الجناة بجناياتهم فقد سمع عليه السلام البعض يقول لمن أقيم عليه حد الخمر : ” أخزاك الله ” . فغضب صلى الله عليه وسلم لذلك وقال : ” لا تعينوا عليه الشيطان ” .
ولقد اعتبر الاسلام تنفيذ العقوبة تطهيراً للشخص من الذنوب التى ارتكبها فقال صلى الله عليه وسلم فيمن أقيم عليها حد الزنى : ” لقد تابت توبة لوقسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ” .
أهداف التدابير الزجرية :
تهدف التدابير الزجرية إلى ثلاثة أهداف :
- عقاب الجانى .
- منع الجريمة .
- اصلاح الجانى .
أما الهدف الثانى وهو منع الجريمة فإن تقرير عقوبات محددة ومعلومة للجرائم تجعل الكثيرين يفكرون فى الابتعاد عن الجريمة وعدم الاقدام على ارتكابها أو التفكير فيها .
وينقسم هذا المنع إلى قسمين :-
1- منع عا م : ويكون بتقرير العقوبات وعلانية تنفيذها مما يزجر ويردع الكافة . ويرى الكماال بن الهمام أن العقوبات قد شرعت لتحقيق المنع العام فإذا نفذت على شخص معين فإنها تمنعه بذاته من العودة إلى الإجرام مرة أخرى ، وفي تنفيذها علنا ما يؤكد معنى المنع العام لهذه العقوبات.
2- منع خاص : فتطبيق العقوبة على الجاني يمنعه من العودة إلى ارتكابها مرة اخرى . وفي ذلك يقول :” إن الزواجر مشروعة لدرء المفاسد المتوقعة . وإن الزواجر معظمها على العصاة زجرا لهم عن المعصية “.
هذا وتهدف التدابير الزجرية أيضا إلى إصلاح وتقويم الجاني وخاصة عقوبات النفي والحبس لأنها تعطي الجاني الفرصة للتفكير في جريمته وما صار إليه أمره فيندم على ما بدر منه ويقلع عن الجريمة. لذا يرى البعض أن الجاني يحبس إلى أن تثبت توبته . والحبس يعطي الدولة فرصة تقديم برامج إصلاحية وتهذيبية وتأهيلية للمحبوسين لإصلاحهم وتقويمهم ، وإعادة توافقهم مع المجتمع ..
التدابير الوقائية
تهتم الشريعة الاسلامية بمنع الجريمة ووقاية المجتمع من شرها ، وحماية الفرد نفسه من الوقوع في الجريمة . فالهدف هنا مزدوج : أي حماية المجتمع وحماية الفرد . لذلك قررت الشريعة كثيرا من التدابير الوقائية . وتنقسم هذه التدابير إلى قسمين :-
أولا: تدابير عامة لوقاية المجتمع من الجرائم والمجرمين . ووقاية الفرد نفسه من الوقوع في الجريمة عموما .
ثانيا : تدابير وقائية خاصة ببعض الجرائم الكبرى مثل الجرائم الأخلاقية والسرقات والشرب والردة وغيرها.( وفي كتب الفقه تفصيل لمن أراد التوسع)
أثر تطبيق التدابير الزجرية والوقائية في المحافظة على الأمن والاستقرار في المجتمع :
تهدف الشريعة الإسلامية من هذه التدابير إلى المحافظة على الأمن والاستقرار في المجتمع ، وحماية المصالح المعتبرة للفرد وللجماعة حتى يأمن الناس على حياتهم وأعراضهم وممتلكاتهم-
والمصالح التي قصد الشارع حمايتها هي :
المحافظة على النفس ، فحرم القتل .
والمحافظة على الدين ، فحرم الردة
والمحافظة على النفس وحماية الأعراض ، فحرم الزنا
والمحافظة على العقل ، فحرم السكر
والمحافظة على المال ، فحرم السرقة .
وحدد لمن يعتدي على اي من هذه المحرمات عقوبات شديدة ، زاجرة ، رادعة . ولقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم الأثر الطيب لتطبيق هذه العقوبات حيث يقول :” حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً” ( رواه النسائي وابن ماجة ) وهذا يدل دلالة واضحة على الخير والأمن والرخاء الذي ينعم به المجتمع الدي يطبق شريعة الله . كما هو الحال في المملكة العربية السعودية التي تطبق الشريعة الإسلامية ، وتنفذ العقوبات الشرعية فوراً وعلى رؤوس الأشهاد مما جعلها أقل بلاد العالم نسبة في الجرائم حسب ما أقرت به المؤتمرات الدولية ، وما تنشره وزارة الداخلية من إحصاءات ..
أما المجتمعات التي لا تطبق شرع الله، وتفضل عليها تشريعات وضعية تظهر فيها المفاسد ، ويجترئ الناس فيها على محارم الله فتنتشر فيها الجرائم ، وتشيع الفاحشة ، وتسود الفوضى ، ويعم الاضطراب ويصبح الفرد فيها خائفا ، لا يأمن على نفسه وماله وعرضه ، والسبب في ذلك يرجع إلى تفاهة العقوبات المقررة للجرائم في القوانين الوضعية . وعدم اقتناع الفرد بعدالة هذه القوانين واستهتاره بها . هذا بعكس العقوبات الشرعية حيث تلقى الاحترام من الفرد والمجتمع لإعتقاد الجميع في عدالتها وفي أن تنفيذها تنفيذ لأوامر الله وأن الله سبحانه وتعالى قد وضع لنا قواعد وحدد لنا حدوداً لا ينبغي ان نخالفها أونتعداها لأن فيها صلاحنا وصلاح أمرنا كله . فالله سبحانه وتعالى هو خالق البشر ويعلم ما توسوس به نفوسهم وقد وضع لهم من التشريعات ما يصلح حالهم في الدنيا والآخرة .
وإنه لمما يثلج الصدر ، ويبشر بالخير – إن شاء الله – هو ما نراه من صحوة إسلامية عامة في جميع ديار المسلمين تدعو إلى الاسلام الوسطي الذي نادي به كتاب الله وسنة رسول الله ، بعيدا عن التعصب والتشدد
.وكلنا أمل أن نرى في القريب العاجل كل بلاد المسلمين ، وقد عادت إلى شرع الله ، وتحكيمه في كل شئونها الدينية والدنيوية حتى نصبح بحق – كما وصفنا ربنا سبحانه وتعالى – ” خير أمة أخرجت للناس “.
ولكي نكون جديرين بذلك علينا كمسلمين أن نتمسك بعقيدتنا وتشريعاتنا الإسلامية . وفي القريب العاجل إن شاء الله يأتي الوقت الذي يسير فيه الإنسان من المحيط الى الخليج آمنا مطمئنا في ظل احكام الاسلام العادلة .
” والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ” صدق الله العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق