{رددنا لله مائة فعوضنا ألفا}
روى أبو العباس المبرد قال قصد بعض أهل الذمة أبا عثمان المازني ليقرأ عليه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار على تدريسه إياه فامتنع أبو عثمان من قبول بذله وأصر على رده قال فقلت له جُعِلت فِداءك أترد هذه النفقة مع فاقتك وشدة اضاقتك؟! فقال :"إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة وكذا آية من كتاب الله عز وجل ولست أرى إن أمكن منها ذمياً غيرةً على كتاب الله تعالى وحميةً له" قال فاتفق أن غنت جارية بحضرة الواثق بقول العرجي
أظلوم إن مصابكم رجلا ... أهدى السلام إليكم ظلم
فاختلف من بالحضرة في إعراب رجل فمنهم من نصبه وجعله اسم إن ومنهم من رفعه على أنه خبرها والجارية مصرة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياها بالنصب فأمر الواثق بإشخاصه قال أبو عثمان فلما مثلت بين يديه قال ممن الرجل قلت من بني مازن قال أيّ الموازن مازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة قلت من مازن ربيعة فكلمني بكلام قومي قال :"لي با اسمك" لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما إذا كانت في أول الأسماء قال فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجهه بالمكر فقلت :"بكر يا أمير المؤمنين" ففطن لما قصدته وأعجب به ثم قال ما تقول في قول الشاعر " أظلوم إن مصابكم رجلا " أترفع رجلا أم تنصبه فقلت بل الوجه النصب يا أمير المؤمنين قال :"ولم ذلك؟" فقلت إن مصابكم مصدر بمعنى أصابتكم فأخذ اليزيدي في معارضتي فقلت هو بمنزلة قولك إن ضربك زيد ظلم ....فرجلاً مفعول مصابكم ومنصوب به والدليل عليه أن الكلام معلق إلى أن تقول ظلم فيتم الكلام فاستحسنه الواثق وقال هل لك من ولد فقلت نعم بنية يا أمير المؤمنين قال ما قالت لك عند مسيرك قلت أنشدت قول الأعشى
أيا أبتا لا ترم عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم
أرانا إذا أضمرتك البلا ... د تخفى وتقطع منا الرحم
قال فقلت لها قول جرير:
ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح
قال :"عليّ النجاح إن شاء الله" ثم أمر لي بألف دينار وردني مكرما قال أبو العباس فلما عاد إلى البصرة قال لي :"كيف رأيت يا أبا العباس رددنا لله مائة فعوضنا ألفا."
درة الغواص 1/24.-ثمرات الأوراق 1/1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق