مقال لصديقنا الأستاذ حميد غريب رضا حفظه الله
=================================
بسم الله الرحمن الرحيم
المقاومة الإسلامية تعيد توجيه بوصلة الأمة
بقلم : غريب رضا
مدير رابطة الحوار الديني للوحدة
كنت صغيراً عندما استشهد عمي في شهر رمضان دفاعاً عن القيم الإسلامية ودفعاً للعدوان الصدّامي على تراب الوطن، وعندما كبرت كنت أحاول ترجمة اعتزازي وفخري في انتسابي لأسرةٍ قدمت شهيداً في سبيل الله، بالاهتمام بشخصيته وذكرياته وكل ما تبقى منه بين أسرتنا وأقربائنا ومن أهمها وصيته المباركة ، فقد استهلها بهذه الآية القرآنية المباركة : (وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) ، وحقيقة الأمركلما قرأت هذه الوصية وفكرت بمعنى هذه الآية لم أفهم بوضوحٍ مغزاها، وكنت مستغرباً كيف يمكن أن يأتي إنسانٌ ويهدم متعمداً صوامع وبيعاً وصلوات ومساجداً يذكر فيها اسم الله كثيراً، كيف ياربي، وهل في عبادك أحدٌ سقط إلى أسفل السافلين لهذه الدرجة أنه يهدم بيوتك في كل الأديان ؟ وما ذنب هذه الأماكن المقدسة حتى لو فرضنا أن من يرتادها هم المذنبون ؟.
لم أكن استوعب جواب هذا الأسئلة حتى بعد دخولي الحوزة العلمية ودراسة سنواتٍ في العلوم الإسلامية ومنها تفسير القرآن الكريم إلا بعد أن رأيت في الأزمة السورية كيف يهجمون على بيوت الله وينهبونها ويذبحون أهلها ويفجرون أبينتها باسم الدين، وآنذاك أدركت معنى الأية الكريمة لاسيما بعد أن قارنت بين ما تفعله داعش وجبهة النصرة اليوم ومن لف لفها في سورية والعراق من هدم بيوت الله وأضرحة الأولياء الصالحين وصحابة النبي الأعظم ص بنداء الله أكبر !! وما فعله أزلام صدام، في هدم المدن واغتصاب وتشريد نساء وأطفال القرى العربية الحدودية بين إيران والعراق والتي ادعى صدام في بداية الحرب أنه يهاجم إيران لتحرير هذه المدن من سيطرة الفرس المجوس . وبالفعل أن العقلية الطائفية بين داعش اليوم وصدام الأمس واحدةٌ، ألا وهي استغلال خلافات المذاهب الإسلامية للتعبئة الطائفية وتجييش الشارع العام بإسم الدين للوصول إلى الأهداف السياسية .
نافلة القول أن الورقة الاستراتيجية الكبرى التي يلعب بها العدو الصهيوني بجدارة، هي ورقة التفرقة المذهبية، وسعيها الحثيث لتجنيد طاقات الأمة لاسيما الشبابية منها في خنادق الطائفية البغيضة، لم تعد خافيةً على أحد . لذلك ترى أن العدو الصهيوني وبإدارة استراتيجية حوّل شعبية حزب الله في العالم العربي والإسلامي التي جاءت بفضل انتصاراته المتلاحقة لاسيما تطهير جنوب لبنان من دنس المحتل ودفع العدوان الصهيوني في تموز عام 2006 حولها إلى الكراهية والبغضاء وذلك بإستخدام المؤسسة الدينية التكفيرية التي كانت تحرم حتى الدعاء للمجاهدين في المقاومة الإسلامية، وبشن حربٍ نفسيةٍ شعواء موجهاً له العديد من الاتهامات أيسرها احتراف حزب الله في قتل السنة واعطاء الحزب صورةً طائفيةً، ناسياً أن حزب الله أكثر الحركات التزاماً بالوحدة الإسلامية وله تواصلٌ مستمر مع كل فصائل المقاومة السنية في فلسطين مؤدياً واجبه في تقديم الدعم اللوجستي وتدريب عناصرها العسكرية ونقل السلاح والعتاد إليها بدون نفسٍ طائفي، والجميع يعرف أيضاً أن مظلة المقاومية الإسلامية في لبنان واسعةٌ بحيث تشمل كل القوى الشريفة من الشيعة والسنة والمسيحين والدروز وغيرها من الطوائف والقوميات الأخرى . لكن مع علم الجميع بذلك لم تتوانَ أجهزة الإعلام الدولية من تشويه صورة حزب الله لا سيما بعد دخوله في الأزمة السورية .
والسؤال هنا، كيف استطاعت هذه الغدة السرطانية تحويل الرأي العام في العالم الإسلامي والعربي إلى نشر حالة من الكراهية المذهبية جعلت بها شريحةً من الناس ينظرون إلى رجال الله بنظرة التردد والريبة ويتهمونهم بالطائفية ؟ ، علماً بأن حزب الله في سوريا لم يحارب الشعب السوري وإنما أعلن كراراً ومراراً بلسان أمينه العام أنه بحربه هذه وقف أمام امتداد المشروع الصهيوني الذي تمثل في إيجاد شبكةٍ عالميةٍ محترفةٍ ربطت خيوطها وجمعت عناصرها أجهزة الاستخبارات العالمية من أكثر من 82 دولة ، ويقتلون الشعب شيعةً وسنة قبل أن يقاتلوا الحكومة السورية ، ويذبحون كل من يخالفهم بإسم الثورة السورية المزعومة.
وهل من اللازم لإفاقة هؤلاء من هذا الوهم أن تأتي اسرائيل وتقوم بعمليةٍ إرهابيةٍ بإستهداف قادة المقاومة في القنيطرة، حتى يعرف هؤلاء أن الكيان الصهيوني صديق من وعدو من ؟ ولأن تكف ألسنة هؤلاء المرجفين في المدينة من الطعن في حزب الله والتشكيك في عدم رد المقاومة على هذه العملية، يجب أن يقوم حزب الله برد فعله المفاجىء في الانتقام لدماء الشهداء حتى يصدقونه ؟
في الحقيقة أننا نواجه أزمةً في معرفة العدو والصديق، وجريمة حلفاء الكيان الصهيوني وأميركا في العالم الإسلامي أنهم قد جندوا كل طاقاتهم لإغفال الأمة عن خطر الكيان الصهيوني وإشغالها بتزييف الخطر الإيراني الوهمي وتخويف الشعوب الإسلامية عن كل ما يرتبط بإيران ومن يتحالف معها ضد هذا العدو الحقيقي الذي يهدد كيان الأمة الإسلامية ، مستغلاً في ذلك دائماً اللهجة الطائفية .
وأخيراً نوجه هذا السؤال إلى مثقفي الأمة الإسلامية ، أفرض أن حزب الله أعاد مرة أخرى بفضل جهاده الصادق ضد العدو الصهيوني البوصلة إلى مدارها الصحيح ، لكن كيف نحصن العقل الإسلامي العربي من خدعة التحليل العقدي في السياسة لئلا نقع مرةً أخرى في فخ مؤامرات الإعلام المتصهين في العالم العربي والإسلامي ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق