النساء شقائق الرجال
المرأة شقيقة الرجل
تحدث الإمام بن حزم الظاهري عن جواز الولاية. وما يتبعها من الكرامة والعرفان للنساء فقال: هذا فضل لا نعلمه حدث النزاع فيه إلا عندنا بقرطبة وفي زماننا فإن طائفة ذهبت إلي إبطال كون النبوة في النساء جملة. وبدعت من قال ذلك وذهبت طائفة إلي القول بأنه قد كانت في النساء نبوة وذهبت طائفة إلي التوقف عن ذلك وكلام ابن حزم صريح في أنه لا نزاع في عدم حصول رسالة النساء بدليل قوله تعالي: "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم" يوسف 109. ولم يدع أحداً أن الله تعالي أرسل إمرأة وإنما الكلام في النبوة والفرق بين النبوة والرسالة أن النبوة مأخوذة من الإنباء وهو الإعلام. فمن أوحي إليه الله علماً بما يكون قبل أن يكون أو أمراً ما مع يقينه يقيناً ضرورياً بصحة ما أوحي إليه كعلمه بما أدرك بحواسه وبديهة عقله فهو نبي وذلك يكون بواسطة الملك أما الرسول فهو من أوحي إليه بدين يتبعه ويبلغه إلي الناس وقد جاء القرآن بأن الله عز وجل أرسل ملائكة إلي نساء فأخبروهن بوحي حق من الله تعالي. فبشروا أم إسحاق بإسحاق. وقد أرسل جبريل إلي مريم أم عيسي عليهما السلام فخاطبها وقال لها "إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زيكاً" مريم 19. ووجدنا أم موسي عليه السلام قد أوحي الله إليها بإلقاء ولدها في اليم وأعلمها أنه سيرده إليها ويجعله نبياً مرسلاً ويدرك كل ذي تمييز صحيح أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله لها لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها أو بما يقع في نفسها في غاية الجنون. وتبين من هذا البحث أن المسلمين لم يتنازعوا في جواز النبوة والولاية للنساء. ولا مانع من ذلك شرعاً ولا عقلاً. وقد اتفقوا علي عدم وقوع الرسالة للنساء. كما اتفقوا علي وقوع الولاية لهن واختلفوا في وقوع النبوة. وفي هذا دليل علي أن مجال الوحي والإلهام يستوي النساء فيه والرجال. فلا عائق يعوق المرأة عن أن تسمو بروحها إلي أقصي غايات السمو المقدورة للبشر. بأن تصل إلي مرتبة العرفان والولاية وتشهد من جلال حضرة الربوبية مالا يشهده سائر البشر. وقد بلغت نساء هذه الدرجة الرفيعة في عصور النهضة والرقي منذ نشأة التصوف الإسلامي.
وترجم الشعراني في كتاب الطبقات لأربعمائة وست وثلاثين من الصوفية الأخيار. بينهم ست عشرة إمرأة. كلهن من الطراز الأول بين أهل التصوف من أمثال معاذة العدوية. ورابعة العدوية. والسيدة عائشة بنت جعفر الصادق. والسيدة نفيسة إبنة الحسن بن يزيد. وهو لم يستوعب الصوفيات من النساء. بل اقتصر علي جماعة منهم وجعل عنوان الفصل المختص بالنساء. فصل في ذكر جماعة من عباد النساء رضي الله عنهن.
وما يكون لأحد أن يزعم أن في الإسلام نزوعاً إلي الغض من الجانب الروحي للمرأة وما في أحكام الشرع الإسلامي من وجوه التفرقة أحياناً بين المرأة والرجل يرجع إلي أمور مادية متصلة بالمادة كما في التفاوت في الإرث في بعض الحالات. والتفاوت في الشهادة في بعض الأمور لا يبعد عن هذا النوع. فإن ضعف الذاكرة المعلل به نقص شهادتها ليس حيفاً بكمالها الروحي ولا باستعدادها للسمو الديني.
وقد ناقش ابن حزم في كتاب الفصل آراء من يفضلون الرجال علي النساء مناقشة تدل علي أن فكرة التساوي في الفضل بين النساء والرجال كانت من الأفكار المؤيدة بين علماء المسلمين. وكان لها أنصار من طراز الإمام ابن حزم الظاهري.
قال أبو محمد: وقد قال قائل ممن يخالفنا في هذا: قال الله عز وجل: "وليس الذكر كالأنثي" آل عمران 36. فقلنا وبالله التوفيق: فإذا أنت عند نفسك أفضل من مريم وعائشة وفاطمة. لأنك ذكر وهؤلاء إناث؟ فإن قال هذا الحق فقد كفر. فإن سأل عن معني الآية قيل له الآية علي ظاهرها أيضاً كالذكر. لأن هذه أنثي وهذا ذكر وليس من الفضل في شئ البتة. وكذلك الحمرة غير الخظرة. والخضرة ليست كالحمرة. وليس هذا من باب الفضل.
فإن اعترض معترض بقوله تعالي: "وللرجال عليهن درجة" البقرة 228. قيل له إنما هذا في حقوق الأزواج علي الزوجات. ومن أراد حمل هذه الآية علي ظاهرها يلزمه أن يكون كل يهودي وكل مجوسي وكل فاسق من الرجال أفضل من أم موسي وأم عيسي وأم إسحاق عليهم السلام ومن نساء البني صلي الله عليه وسلم وبناته. وهذا كفر ممن قاله بإجماع الأمة.
وكذلك قوله تعالي: "أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين" الزخرف 18. إنما ذلك في تقصيرهن في الأغلب عن الحاجة لقلة دربتهن. وليس في هذا ما يحط من الفضل عن ذوات الفضل منهن. فإن شغب مشغب بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم "وما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجال الحازم من إحداكن". قلنا له وبالله التوفيق: إن حملت هذا الحديث علي ظاهرة فيلزمك أن تقول إنك أتم عقلا ودينا من مريم وأم موسي وأم إسحاق ومن عائشة وفاطمة فإن تمادي علي هذا سقط الكلام معه ولم يبعد عن الكفر. وإن قال: لا. سقط اعتراضه واعترف بأن من الرجال من هو أنقص ديناً وعقلاً من كثير من النساء. فإن سأل عن معني هذا الحديث قيل له قد بين رسول الله صلي الله عليه وسلم وجه ذلك النقص. وهو كون شهادة المرأة علي النصف من شهادة الرجل وكونها إذا حاضت لا تصلي ولا تصوم وليس هذا بموجب نقصان الفضل ولا نقصان الدين أو العقل في غير هذين الوجهين فقط. إذا بالضرورة ندري أن في النساء من هن أفضل من كثير من الرجال وأتم ديناً وعقلاً في غير الوجوه التي ذكرها النبي صلي الله عليه وسلم وهو عليه السلام لا يقول إلا حقاً. فصح يقيناً أنه عبر عليه السلام ما قد بينه من الحديث نفسه من الشهادة والحيض فقط. وليس ذلك مما ينقص الفضل فقد علمنا أن أبا بكر وعمر وعلياًً شهدوا زنا لم يحكم بشهادتهم. ولو شهد به أبرع منا عدول في الظاهر حكم بشهادتهم. وليس ذلك بموجب أننا أفضل من هؤلاء المذكورين.
وكذلك القول في شهادة النساء. فليست الشهادة من باب التفاضل في ورد ولاصدر. لكن نقف فيها عند ما حده النص فقط. ولا شك عند كل مسلم في أن صواحبه من نسائه وبناته عليهم السلام كخديجة وعائشة وفاطمة وأم سلمة أفضل ديناً ومنزلة عند الله تعالي من كل تابع أتي بعدهن. ومن كل رجل يأتي في هذه الأمة إلي يوم القيامة. فبطل الاعتراض بالحديث المذكور.
قال أبو محمد: فإن اعترض معترض بقول النبي صلي الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير. ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وإمرأة فرعون وخديجة وفاطمة بنت الرسول صلي الله عليه وسلم. فإن هذا الكمال إنما هو الرسالة والنبوة التي انفرد بها الرجال وشاركهم بعض النساء في النبوة. وقد يتفاضلون أيضاً فيها فيكون بعض الأنبياء أكمل من بعض ويكون بعض الرسل أكمل من بعض ويكون بعض الرسل أكمل من بعض: قال الله عز وجل: "تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات" البقرة 253. فإنما ذكر في هذا الخبر من بلغ غاية الكمال في طبقته ولم يتقدمه منهم أحد.
فإن اعترض معترض بقوله عليه السلام: "لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلي إمرأة" فلا حجة له بذلك. لأنه ليس امتناع الولاية فيهن بموجب لهن نقص الفضل. فقد علمنا أن ابن مسعود وبلالا وزيد بن حارثة رضي الله عنهم لم يكن لهم حظ في الخلافة وليس بموجب أن يكون الحسن وابن الزبير ومعاية أفضل والخلافة جائزة لهؤلاء غير جائزة لأولئك ومنهم في الفضل مالا يجهله المسلم.
وإذا كان الصوفية هم بناة المثل الأخلاقي الإسلامي الأعلي فإن للمرأة حظا غير منقوص في تشييد هذا الهيكل العظمي.
وإننا لنجد في كتب التصوف والأخلاق ذكراً لمتصوفات سيرتهن شاهد ومثل يحتذي: قال الحاحظ والناسكات المتزهدات من النساء المذكورات في الزهد والرياسة من نساء الجماعة أم الدرداء ومعاذة العدوية ورابعة القيسية.
ومن نساء الخوارج السجا وحماة الصفوية وغزالة الشيبانية قتلن جميعاً وصلبت السجا وحماة وقتل خالد بن عتاب غزالة وكانت إمرأة صالح بن نوح.
ومن نساء الغالية الميلاء وحميدة وليلي الناعظية.
ولسنا نعرف مؤلفات في التصوف للنساء ولكنا نعرف من أثارهن واشعارهن وأخبارهن ما يقوم مقام الكتب المدونة ويدل علي مالبعضهن من مسألة الإمامة كرابعة. قال سفيان الثوري لرابعة: ما حقيقة إيمانك؟ قالت: ما عبدته خوفاً من ناره. ولا حباً لجنته فأكون كالأجير السوء بل عبدته حباً لله وشوقاً إليه وهناك عدد من الصوفيات اشتهرن برواية الحديث.
المرأة شقيقة الرجل
المستشار توفيق وهبة رئيس المركز العربي لبحوث ودراس نشر في عقيدتي يوم 25 - 01 - 2011
تحدث الإمام بن حزم الظاهري عن جواز الولاية. وما يتبعها من الكرامة والعرفان للنساء فقال: هذا فضل لا نعلمه حدث النزاع فيه إلا عندنا بقرطبة وفي زماننا فإن طائفة ذهبت إلي إبطال كون النبوة في النساء جملة. وبدعت من قال ذلك وذهبت طائفة إلي القول بأنه قد كانت في النساء نبوة وذهبت طائفة إلي التوقف عن ذلك وكلام ابن حزم صريح في أنه لا نزاع في عدم حصول رسالة النساء بدليل قوله تعالي: "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم" يوسف 109. ولم يدع أحداً أن الله تعالي أرسل إمرأة وإنما الكلام في النبوة والفرق بين النبوة والرسالة أن النبوة مأخوذة من الإنباء وهو الإعلام. فمن أوحي إليه الله علماً بما يكون قبل أن يكون أو أمراً ما مع يقينه يقيناً ضرورياً بصحة ما أوحي إليه كعلمه بما أدرك بحواسه وبديهة عقله فهو نبي وذلك يكون بواسطة الملك أما الرسول فهو من أوحي إليه بدين يتبعه ويبلغه إلي الناس وقد جاء القرآن بأن الله عز وجل أرسل ملائكة إلي نساء فأخبروهن بوحي حق من الله تعالي. فبشروا أم إسحاق بإسحاق. وقد أرسل جبريل إلي مريم أم عيسي عليهما السلام فخاطبها وقال لها "إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زيكاً" مريم 19. ووجدنا أم موسي عليه السلام قد أوحي الله إليها بإلقاء ولدها في اليم وأعلمها أنه سيرده إليها ويجعله نبياً مرسلاً ويدرك كل ذي تمييز صحيح أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله لها لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها أو بما يقع في نفسها في غاية الجنون. وتبين من هذا البحث أن المسلمين لم يتنازعوا في جواز النبوة والولاية للنساء. ولا مانع من ذلك شرعاً ولا عقلاً. وقد اتفقوا علي عدم وقوع الرسالة للنساء. كما اتفقوا علي وقوع الولاية لهن واختلفوا في وقوع النبوة. وفي هذا دليل علي أن مجال الوحي والإلهام يستوي النساء فيه والرجال. فلا عائق يعوق المرأة عن أن تسمو بروحها إلي أقصي غايات السمو المقدورة للبشر. بأن تصل إلي مرتبة العرفان والولاية وتشهد من جلال حضرة الربوبية مالا يشهده سائر البشر. وقد بلغت نساء هذه الدرجة الرفيعة في عصور النهضة والرقي منذ نشأة التصوف الإسلامي.
وترجم الشعراني في كتاب الطبقات لأربعمائة وست وثلاثين من الصوفية الأخيار. بينهم ست عشرة إمرأة. كلهن من الطراز الأول بين أهل التصوف من أمثال معاذة العدوية. ورابعة العدوية. والسيدة عائشة بنت جعفر الصادق. والسيدة نفيسة إبنة الحسن بن يزيد. وهو لم يستوعب الصوفيات من النساء. بل اقتصر علي جماعة منهم وجعل عنوان الفصل المختص بالنساء. فصل في ذكر جماعة من عباد النساء رضي الله عنهن.
وما يكون لأحد أن يزعم أن في الإسلام نزوعاً إلي الغض من الجانب الروحي للمرأة وما في أحكام الشرع الإسلامي من وجوه التفرقة أحياناً بين المرأة والرجل يرجع إلي أمور مادية متصلة بالمادة كما في التفاوت في الإرث في بعض الحالات. والتفاوت في الشهادة في بعض الأمور لا يبعد عن هذا النوع. فإن ضعف الذاكرة المعلل به نقص شهادتها ليس حيفاً بكمالها الروحي ولا باستعدادها للسمو الديني.
وقد ناقش ابن حزم في كتاب الفصل آراء من يفضلون الرجال علي النساء مناقشة تدل علي أن فكرة التساوي في الفضل بين النساء والرجال كانت من الأفكار المؤيدة بين علماء المسلمين. وكان لها أنصار من طراز الإمام ابن حزم الظاهري.
قال أبو محمد: وقد قال قائل ممن يخالفنا في هذا: قال الله عز وجل: "وليس الذكر كالأنثي" آل عمران 36. فقلنا وبالله التوفيق: فإذا أنت عند نفسك أفضل من مريم وعائشة وفاطمة. لأنك ذكر وهؤلاء إناث؟ فإن قال هذا الحق فقد كفر. فإن سأل عن معني الآية قيل له الآية علي ظاهرها أيضاً كالذكر. لأن هذه أنثي وهذا ذكر وليس من الفضل في شئ البتة. وكذلك الحمرة غير الخظرة. والخضرة ليست كالحمرة. وليس هذا من باب الفضل.
فإن اعترض معترض بقوله تعالي: "وللرجال عليهن درجة" البقرة 228. قيل له إنما هذا في حقوق الأزواج علي الزوجات. ومن أراد حمل هذه الآية علي ظاهرها يلزمه أن يكون كل يهودي وكل مجوسي وكل فاسق من الرجال أفضل من أم موسي وأم عيسي وأم إسحاق عليهم السلام ومن نساء البني صلي الله عليه وسلم وبناته. وهذا كفر ممن قاله بإجماع الأمة.
وكذلك قوله تعالي: "أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين" الزخرف 18. إنما ذلك في تقصيرهن في الأغلب عن الحاجة لقلة دربتهن. وليس في هذا ما يحط من الفضل عن ذوات الفضل منهن. فإن شغب مشغب بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم "وما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجال الحازم من إحداكن". قلنا له وبالله التوفيق: إن حملت هذا الحديث علي ظاهرة فيلزمك أن تقول إنك أتم عقلا ودينا من مريم وأم موسي وأم إسحاق ومن عائشة وفاطمة فإن تمادي علي هذا سقط الكلام معه ولم يبعد عن الكفر. وإن قال: لا. سقط اعتراضه واعترف بأن من الرجال من هو أنقص ديناً وعقلاً من كثير من النساء. فإن سأل عن معني هذا الحديث قيل له قد بين رسول الله صلي الله عليه وسلم وجه ذلك النقص. وهو كون شهادة المرأة علي النصف من شهادة الرجل وكونها إذا حاضت لا تصلي ولا تصوم وليس هذا بموجب نقصان الفضل ولا نقصان الدين أو العقل في غير هذين الوجهين فقط. إذا بالضرورة ندري أن في النساء من هن أفضل من كثير من الرجال وأتم ديناً وعقلاً في غير الوجوه التي ذكرها النبي صلي الله عليه وسلم وهو عليه السلام لا يقول إلا حقاً. فصح يقيناً أنه عبر عليه السلام ما قد بينه من الحديث نفسه من الشهادة والحيض فقط. وليس ذلك مما ينقص الفضل فقد علمنا أن أبا بكر وعمر وعلياًً شهدوا زنا لم يحكم بشهادتهم. ولو شهد به أبرع منا عدول في الظاهر حكم بشهادتهم. وليس ذلك بموجب أننا أفضل من هؤلاء المذكورين.
وكذلك القول في شهادة النساء. فليست الشهادة من باب التفاضل في ورد ولاصدر. لكن نقف فيها عند ما حده النص فقط. ولا شك عند كل مسلم في أن صواحبه من نسائه وبناته عليهم السلام كخديجة وعائشة وفاطمة وأم سلمة أفضل ديناً ومنزلة عند الله تعالي من كل تابع أتي بعدهن. ومن كل رجل يأتي في هذه الأمة إلي يوم القيامة. فبطل الاعتراض بالحديث المذكور.
قال أبو محمد: فإن اعترض معترض بقول النبي صلي الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير. ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وإمرأة فرعون وخديجة وفاطمة بنت الرسول صلي الله عليه وسلم. فإن هذا الكمال إنما هو الرسالة والنبوة التي انفرد بها الرجال وشاركهم بعض النساء في النبوة. وقد يتفاضلون أيضاً فيها فيكون بعض الأنبياء أكمل من بعض ويكون بعض الرسل أكمل من بعض ويكون بعض الرسل أكمل من بعض: قال الله عز وجل: "تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات" البقرة 253. فإنما ذكر في هذا الخبر من بلغ غاية الكمال في طبقته ولم يتقدمه منهم أحد.
فإن اعترض معترض بقوله عليه السلام: "لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلي إمرأة" فلا حجة له بذلك. لأنه ليس امتناع الولاية فيهن بموجب لهن نقص الفضل. فقد علمنا أن ابن مسعود وبلالا وزيد بن حارثة رضي الله عنهم لم يكن لهم حظ في الخلافة وليس بموجب أن يكون الحسن وابن الزبير ومعاية أفضل والخلافة جائزة لهؤلاء غير جائزة لأولئك ومنهم في الفضل مالا يجهله المسلم.
وإذا كان الصوفية هم بناة المثل الأخلاقي الإسلامي الأعلي فإن للمرأة حظا غير منقوص في تشييد هذا الهيكل العظمي.
وإننا لنجد في كتب التصوف والأخلاق ذكراً لمتصوفات سيرتهن شاهد ومثل يحتذي: قال الحاحظ والناسكات المتزهدات من النساء المذكورات في الزهد والرياسة من نساء الجماعة أم الدرداء ومعاذة العدوية ورابعة القيسية.
ومن نساء الخوارج السجا وحماة الصفوية وغزالة الشيبانية قتلن جميعاً وصلبت السجا وحماة وقتل خالد بن عتاب غزالة وكانت إمرأة صالح بن نوح.
ومن نساء الغالية الميلاء وحميدة وليلي الناعظية.
ولسنا نعرف مؤلفات في التصوف للنساء ولكنا نعرف من أثارهن واشعارهن وأخبارهن ما يقوم مقام الكتب المدونة ويدل علي مالبعضهن من مسألة الإمامة كرابعة. قال سفيان الثوري لرابعة: ما حقيقة إيمانك؟ قالت: ما عبدته خوفاً من ناره. ولا حباً لجنته فأكون كالأجير السوء بل عبدته حباً لله وشوقاً إليه وهناك عدد من الصوفيات اشتهرن برواية الحديث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق