الخميس، 5 ديسمبر 2013


]دار الأخبا ر:
-----------
 انت الآن تتصفح عدد نشر قبل 405 أيام

الوازع الديني عامل أساسي في منع أسباب الانحراف

د. محمد بن عبدالله العمار *
    أشير إلى المقال المنشور بعنوان: (الوازع الديني شماعة الأخطاء) للكاتب ياسر المعارك في زاويته: حديث الحرف في العدد (١٦١٨٤) الصادر يوم الاثنين الموافق ٢٩/١١/١٤٣٣ ص (٧) فلقد بدأ الكاتب مقاله بما نصه: قضايا مقلقة لدرجة الخطورة كالعقوق والكذب والغش وتفشي السرقة والخطف والقتل يهرب المجتمع من مواجهة أسبابها الحقيقية ملقياً باللوم كله على ضعف الوازع الديني ورابطاً ذلك الفرد وفق معادلة كلما ضعف الوازع الديني زاد مستوى الانحلال، وهي معادلة تشهدها ساحتنا المحلية في ظل عدم الايمان بأن الاسباب هي من تحقيق النتائج أ.ه.
والكلام السابق الذي ذكره الكاتب لا يسنده دليل علمي ولا دراسات في موضوع الجريمة وارتباطها بالدين والاستقامة عليه في مثل مجتمعنا السعودي بل الدراسات البحثية من الجامعات سواء أكانت رسائل ماجستير أم دكتوراه أم بحوثا في مؤتمرات وحلقات نقاش تؤكد بأن الوازع الديني للشخص هو الواقي بإذن الله من الانحراف والوقوع في الجريمة وإن غالبا بل إن النسبة الكبيرة من القضايا التي تنتظر في المحاكم بأن مرتكبيها ليس لديهم وازع ديني ولا تمسك بالدين هذا في القضايا الجنائية وليس في قضايا الإرهاب والتطرف.
فالايمان بالله له أهميته في الوقاية فالايمان بالله هو عمود فقري لكافة ألوان الحياة فمن لا عقيدة له لا استقامة له ولا وازع يردعه عن ارتكاب أي جريمة سواء عوقب عليها بحد مقدر أم بتعزير غير مقدر.. والايمان بالله رقيب على كل عامل في أي مجال صناعي أو زراعي أو تعليمي أو وظيفي أو عسكري ويأتي بعد الايمان بالله دور العبادة واستشعار هذه العبادة ولمن تؤدى وعظمة المعبود فالصلاة لها دور وقائي وهي من الوازع الديني لمن أداها على ما شرعه الله وما جاء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لقول الحق سبحانه وتعالى (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) (العنكبوت ٤٥).
فالصلاة تنهي المصلي عن الفحشاء والمنكر وهي وسيلة فعالة من الوسائل الوقائية لمكافحة الجريمة إذا اقيمت لحقيقتها المشروعة فهي تقوي الصلة بين العبد وبين ربه، وهي مدرسة للتمرين على الطهارة والنزاهة والأمانة فهي تدفع العبد المسلم إلى الخير وتقيه من الشر والانزلاق في الجريمة.
والصيام سواء أكان فرضاً أم نفلاً وازع ديني للعبد المسلم يقيه من الوقوع في الجريمة فإذا صام المسلم عن المفطرات وصامت جوارحه اليد واللسان والرجل والعين حفظته من الانحراف واقتراف الجريمة، وكان الصيام وازعاً دينياً عندما تصوم جوارحه ولا يقع في الجريمة سواء أكانت قولاً أم فعلاً منتهياً عن قول الزور وفعل الزور وعن الغيبة والنميمة فتصوم يده عن التعدي على الغير وكذلك الرجل لا تمشي إلى الرذيلة والفساد، وكذلك اللسان صومه عن الكلام المؤذي والتطاول على الناس وصوم العين عن عفتها عن عورات الناس وصوم الأذن عن عدم سماع كل باطل.
وكذلك بقية أركان الإسلام مثل الحج والزكاة متى ما التزم بها المسلم كانت سبباً بإذن الله رادعاً عن الجريمة فالإسلام عالج الجريمة ووضع طرقاً لذلك ليست عقابية فقط كما في القوانين الوضعية بل هي إصلاحية عقابية فالشريعة الإسلامية تحرص على علاج الجاني فمن ذلك العقوبة كما ذكر في كتاب الله بالنسبة لبعض الحدود والتي هي حق الله فالتوبة طريق علاجي وليس عقابيا فعند نظر القضايا ينظر لحال المتهم وهل هي أول قضية أم له سوابق في الجريمة نفسها أو غيرها وينظر لندمه وصدق توبته ومراعاة ذلك عند إيقاع العقوبة ولقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن..» الحديث.. فكما سلف بأن الايمان ونقضانه أو انعدامه سبب الانحراف والوقوع في الجريمة واقترافها.
إلى ان قال ما نصه: المقارنة السريعة مع مجتمعات غير مسلمة في دول أمريكا وأوروبا تعري الحقيقة وتكشف عن أن مستوى التعامل والسلوك في مصداقيتهم وأمانتهم عال جداً رغم أنها مجتمعات لها معتقداتها الدينية لا تتعاطى بالضرورة مع فكرة الربط بين الوازع الديني وسلوك الفرد وتحضر المجتمع، في حين يوغل مجتمعنا في كل مناسبة ومنبر وكل منهج دراسي يتم إعداده بالتركيز الأوحد على أن سبب الانحلال والجريمة هو ضعف الوازع الديني حتى تشوهت الفكرة ولم يعد ذات اثر أو بال أ.ه.
فالكاتب في كلامه المذكور آنفاً تحدث عن المجتمعات الغربية في أمريكا وأوروبا ومدحهم بإفراط عن صدقهم وأمانتهم كذا بإطلاق، وأن لديهم معتقدات دينية لا ترتبط بالوازع الديني فالغرب مع تعاملهم فيما بينهم يعملون بقوانين سنت لتنظيم حياتهم الدنيا فقط ولم تستقَ من نصوص ربانية ومع هذا توجد لديهم الجرائم من الاغتصاب والقتل والسرقة وخلافها والعقوبة لديهم بقوانين وضعية وليست نصوصاً ربانية كالتي لدينا.. ومسألة صدقهم وأمانتهم نسبية وهذا تنظيم دنيوي أما الوازع الديني الذي ذكر الكاتب انه فشل لدينا فهو الحصن الحصين للبعد عن الجريمة والوقوع فيها.
فبعض الجرائم الخلقية مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الصحابة، ومثل الأخذ من المال بدون وجه حق فهل نقول إن الوازع الديني في زمن نزول الوحي في عهده صلى الله عليه وسلم فشل؟!!
حاشا وربي فقرنُه صلى الله عليه وسلم من خير القرون كما صح عنه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك إذا وجدنا تنظيما لدى الغرب في الادارة أو الاجراءات لا يمنع الاستفادة منهم لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وهل يريد الكاتب هداه الله ألا يُتكلم على المنابر أو ألا تتضمن المناهج الدراسية عن الوازع الديني لأنه يرى مثل ذلك؟!
والمسلم المعتز بدينه وبشريعته يحاول التمسك بإصلاح أي خلل في منظومة المجتمع وليس مدح كل ما في الغرب.
وما ذكره الكاتب وردده من أن الوازع الديني فكرة هو خطأ وليس نصوص الوحي والعمل بها أفكار بل عقيدة يعتقدها المسلم في كل شأنه من عبادة وأخلاق وسلوك ومعاملة أما الأفكار فتزول.
إلى ان قال كلاماً لا يصح إيراده فهو يمدح في تحضر الغرب وتخلفنا، وان العبادات لم يظهر لها أثر في تعاملاتنا اليومية والتعميم بهذا الكلام لا يقبل من الكاتب فالأمة لا يزال فيها الخير ويظهر عليها أثر العبادة.
وللوازع الديني أثر مشاهَد على الفرد والمجتمع فالدين إذا رسخ في القلوب ظهر على الجوارح وزاد الناس تمسكاً بدينهم في كافة المجالات ومنها الجانب العقابي الرادع للجريمة.
يقول الدكتور توفيق علي وهبة في كتابه التدابير الزجرية والوقائية في التشريع الإسلامي ص١٢٨ والتي تطبق الشريعة الإسلامية في الجانب العقابي أن نسبة الجريمة تعتبر أقل نسبة في العالم والسبب في ذلك هو احترام الناس للقانون السماوي وتمسكهم بقواعده وأحكامه.
والمملكة خير شاهد على ذلك فقبل توحيدها على يد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - كان الأمن فيها مختلاً، ولا يوجد فيها استقرار بل خوف على الأنفس والأموال والأعراض فجعل دستور المملكة الكتاب والسنّة حتى في مجال العقاب وجمع الناس على الدين والتمسك به فكان الوازع الديني.
لذلك فالمملكة من أقل دول العالم نسبة في الجريمة بالرغم مما ذكره الكاتب عن فشل الوازع الديني ومع ذلك لايمكن استئصال الجريمة نهائياً ولايمكن ان تكون المجتمعات مثالية ولو كانت كذلك لما شرع الله العقوبات وقبلها المنهيات عن الوقوع في الجرائم من حدود وسيبقى الوازع الديني حصناً منيعاً للردع عن الوقوع في الجريمة سواء أكانت من الكبائر أم من الصغائر.
وقد ذكر الدكتور توفيق في كتابه المشار إليه ص١٣٤ التركيز على أن عقيدة التوحيد هي جوهر الإسلام وأن الوازع الديني عامل أساسي في منع أسباب الانحراف لأنه يحرر الإنسان من الرغبات والمطامع والأهواء وأن استقرار هذه البلاد ولله الحمد بسبب التمسك بشريعة الله في كافة مجالات الحياة وهي الضامن الوحيد لها أمناً واستقراراً ورخاءً وعيشاً رغيداً كما ذكر ذلك الحق سبحانه وتعالى عن خيرية هذه الأمة (كنتم خير أمة أخرجت للناس..) الآية وأقول إذا اجتمع الوازع الديني مع الوازع السلطاني استقامت حالة الأمة لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وفي الختام أتمنى من الكاتب إذا كان لا يرى أن الوازع الديني له أثر في تقدم المجتمعات أو تحضرها أو تخلفها والمنع من الوقوع في الجرائم فليذكر العلاج!!
وأختم بالذي هو خير قوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (آل عمران ٨).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* القاضي في محكمة الاستئناف بالرياض
=========================

مقال في جريدة الرياض السعودية  يوم عيد الأضحي  المبارك  10 من ذي الحجة 1434 يستند علي رأي لنا في  ( كتابنا التدبير الزجرية والوقائية في التسريع الجنائي الاسلامي  ) من أن الوازع الديني عامل أساسي في منع الانحراف ..
     جزي الله الكاتب خيرا في رد ه عن الشبهات  التي يثيرها البعض حول الاسلام   ..

ليست هناك تعليقات: