الثلاثاء 22 سبتمبر 2015 - 11:48 م
«صدى البلد» ينشر 63 سؤالا وجوابا عن «الأضحية» نقلا عن دار الافتاء المصرية
صورة ارشيفية
محمد صبري عبد الرحيم
الثلاثاء 22.09.2015 - 10:35 م
تحتفل الأمة الإسلامية، بعيد الأضحى، بعد غد الخميس، حيث تذبح الأضاحي إحدى الشعائر الإسلامية، التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل بتقديم ذبح من الأنعام بدءًا من أول أيام عيد الأضحى حتى آخر أيام التشريق.
وللأضحية شروط ومواصفات معينة يجب أن تتحقق فيها لتكون مجزئة.. دار الإفتاء المصرية أجابت عن 63 سؤالاً عن الأضحية تشغل الأذهان.
ما الأُضْحِيَّة؟
الأُضْحِيَّة هي :اسمٌ لما يُذكى تقربا إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة، والتذكية: هي السبب الموصل لحِلِّ أكل الحيوان البري اختيارا، فتشمل الذبح والنحر، بل تشمل العقر أيضاً، كما لو شرد ثورٌ أو بعير فطُعِنَ برمح أو نحوه مع التسمية ونية الأُضْحِيَّة. وقيل: هي السبيل الشرعية لبقاء طهارة الحيوان وحل أكله إن كان مأكولا ، وحل الانتفاع بجلده وشعره إن كان غير مأكول.
والأُضْحِيَّة في لغة العرب فيها أربع لغات: إضْحِيَّةٌ، وأُضْحِيَّةٌ والجمع أضاحي، وضَحِيَّةٌ على فعيلة والجمع ضحايا، وأَضْحَاةٌ والجمع أضحىً كما يقال: أرطاةٌ وأرْطىً. وبه سمي عيد الأضحى، أي الضحايا، وسميت الأضحية بذلك؛ لأنها تفعل في وقت الضحى، والذى يبدأ من بعد شروق شمس يوم النحر (العاشر من ذي الحجة). وليس من الأُضْحِيَّة ما يلى: ما يذكى استحبابا بنية العقيقة عن المولود. ما يُذَكَّى بنية الهدي، سواء كان ذلك استحبابا للمفرِد، أو وجوبا للمتمتع والقارن. ما يُذَكَّى وجوبا لترك واجب أو فعل محظور في نسك الحج أو العمرة.
ما الدليل على مشروعيتها؟
الأُضْحِيَّة مشروعة بالكتاب والسنة القولية والفعلية، والإجماع: أما الكتاب فقد قال تعالى: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» [سورة الكوثر]. وقال القرطبي في " تفسيره" (20/ 218): [أَيْ: أَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْكَ، كَذَا رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ» صَلَاةَ الْعِيدِ وَيَوْمَ النَّحْرِ، «وَانْحَرْ» نُسُكَكَ. وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْحَرُ ثُمَّ يُصَلِّي، فَأُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَنْحَر]. وقال ابن كثير في " تفسيره"(8/ 503):[قال تعالى: «قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» [الأنعام: 162 ، 163] قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن: يعني بذلك نحر البُدْن ونحوها].
وأما السنة فقد روي في الباب العديد من الأحاديث الفعلية التي تبين فعله صلى الله عليه وسلم لها، كما رُويت أحاديث أخرى قولية في بيان فضلها والترغيب فيها والتنفير من تركها. وأما السنة النبوية الفعلية، فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي، وكان يتولى ذبح أضحيته بنفسه - صلى الله عليه وسلم- فمن ذلك: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ((ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا)) متفق عليه.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوَادٍ وَيَبْرُكُ في سَوَادٍ وَيَنْظُرُ في سَوَادٍ، فَأُتِىَ بِهِ؛ لِيُضَحِّىَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا : ((يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّى الْمُدْيَةَ ))، ثُمَّ قَالَ: ((اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ)) فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: ((بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ))، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ)). أخرجه مسلم في صحيحه.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّى)) أخرجه الترمذي في سننه، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وأما السنة النبوية القولية، فقد وردت أحاديث كثيرة في الأُضْحِيَّة، منها: عن البراء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء)) متفق عليه.
وعَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه : ((قَالَ خَطَبَنَا النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: ((إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ في يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّىَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ في شَىْءٍ )) . فَقَامَ خَالِى أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّىَ وَعِنْدِى جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ . قَالَ : ((اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِىَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك)) أخرجه مسلم في صحيحه.
وعن جُنْدَب بْن سُفْيَانَ رضي الله عنه : ((قَالَ شَهِدْتُ الأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعْدُ أَنْ صَلَّى وَفَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ سَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَرَى لَحْمَ أَضَاحِىَّ قَدْ ذُبِحَتْ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ فَقَالَ : ((مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ - أَوْ نُصَلِّىَ - فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ )). أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ له. وأجمع المسلمون على مشروعية الأُضْحِيَّة.
ما حكمة مشروعية الأُضْحِيَّة؟ الأُضْحِيَّة شرعت لِحِكَم كثيرة منها: أولاً: شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه المتعددة، فالله سبحانه وتعالى قد أنعم على الإنسان بنعمٍ كثيرةٍ لا تُعَدُ ولا تُحصى، كنعمة البقاء من عام لعام آخر. ونعمة الإيمان، ونعمة السمع والبصر والمال؛ فهذه النعم وغيرها تستوجب الشكر للمُنعم سبحانه وتعالى، والأُضْحِيَّة صورةٌ من صور الشكر لله سبحانه وتعالى، حيث يتقرب العبد فيها إلى ربه بإراقة دم الأُضْحِيَّة؛ امتثالا لأمره سبحانه وتعالى، حيث قال جلَّ جلاله: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [الكوثر: 1-3].
ثانياً: إحياء سنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين أمره الله عز وجل بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام في يوم النحر، وأن يتذكر المؤمن أن صبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وإيثارهما طاعة الله ومحبته على محبة النفس والولد كان ذلك كله هو سبب الفداء ورفع البلاء ، فإذا تذكر المؤمن ذلك اقتدى بهما في الصبر على طاعة الله وتقديم محبته عز وجل على هوى النفس وشهوتها.
ثالثا: التوسعة على النفس وأهل البيت، وإكرام الجيران والأقارب والأصدقاء، والتصدق على الفقراء. وقد مضت السنة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم في التوسعة على الأهل وإكرام الجيران والتصدق على الفقراء يوم الأضحى. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ)). فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ - وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ فَكَأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَذَرَهُ - وَعِنْدِى جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فَلاَ أَدْرِى بَلَغَتِ الرُّخْصَةُ أَمْ لاَ ، ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ - يَعْنِى فَذَبَحَهُمَا - ثُمَّ انْكَفَأَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَذَبَحُوهَا)) أخرجه البخاري في صحيحه.
متي شرعت الأُضْحِيَّة؟شرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وهي السنة التي شرعت فيها صلاة العيدين وزكاة المال.
وما حكمها؟
اختلف الفقهاء في حكم الأُضْحِيَّة على مذهبين: المذهب الأول: الأُضْحِيَّةُ سنةٌ مؤكدةٌ في حق الموسر، وهذا قول جمهور الفقهاء الشافعية والحنابلة، وهو أرجح القولين عند مالك، وإحدى روايتين عن أبي يوسف، وهذا قول أبي بكر وعمر وبلال وأبي مسعود البدري وسويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر، وهو المفتي به في الديار المصرية.
واستدل الجمهور على أن الأضحية سنة مؤكدة بما يلي: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا))، أخرجه مسلم في صحيحه.
ووجه الدلالة في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((وأراد أحدكم)) فجعله مُفَوَّضا إلى إرادته، ولو كانت الأضحية واجبة لاقتصر على قوله: ((فلا يمس من شعره شيئا حتى يضحي)).
وورد أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين؛ مخافة أن يُرَى ذلك واجبا. أخرجه البيهقي في سننه. وهذا الصنيع منهما يدل على أنهما عَلِما من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوجوب، ولم يرو عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.
والمذهب الثاني: أنها واجبة، وذهب إلى ذلك أبو حنيفة، وهو المروي عن محمد وزفر وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وبه قال ربيعة والليث بن سعد والأوزاعي والثوري ومالك في أحد قوليه.
أيهما أفضل الأضحية أم الصدقة؟الأضحية أفضل من الصدقة؛ لأنها واجبة أو سنة مؤكدة، وشعيرة من شعائر الإسلام.
هل يقوم غير الأضحية من الصدقات مقامها؟
لا يقوم غير الأُضْحِيَّة من الصدقات مقامها، حتى لو تصدق إنسان بشاة حية أو بقيمتها في أيام النحر لم يكن ذلك مُغنيا له عن الأُضْحِيَّة، وذلك أنها شعيرة تعلقت بإراقة الدم، والأصل أن الأمر الشرعي إذا تعلق بفعل معين لا يقوم غيره مقامه كالصلاة والصوم، بخلاف الزكاة.
هل تجزئ الأضحية عن العقيقة؟لا تجزئ الأُضْحِيَّة عن العقيقة وهو قول المالكية والشافعية والرواية الأخرى عن الإمام أحمد، وهو المفتى به. وفى كتاب مسائل أحمد بن حنبل (المتوفى: 241هـ) رواية ابنه عبد الله: [قَالَ سَأَلت أبي عَن الْعَقِيقَة يَوْم الأضحى وَهل يجوز أن تكون أضْحِية وعقيقة، قال: لا، إما أُضْحِيَّة، وإما عقيقة على ما سُمى].
وحجة هؤلاء: أن كلاً من الأُضْحِيَّة والعقيقة ذبحان بسببين مختلفين، فلا يقوم واحد منهما عن الاثنين معا، كدم التمتع ودم الفدية. وقالوا أيضا: إن المقصود بالأُضْحِيَّة إراقة الدم في كل منهما، ولا تقوم إراقة واحدة مقام إراقتين. وقد سئل هذا السؤال الشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي فأجاب: " الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَجَرَيْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ سِنِينَ أَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا، وَلَهَا سَبَبٌ يُخَالِفُ سَبَبَ الْأُخْرَى، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأُخْرَى؛ إذْ الْأُضْحِيَّةُ فِدَاءٌ عَنْ النَّفْسِ وَالْعَقِيقَةُ فِدَاءٌ عَنْ الْوَلَدِ؛ إذْ بِهَا نُمُوُّهُ وَصَلَاحُهُ وَرَجَاءُ بِرِّهِ وَشَفَاعَتِهِ".
إذا اجتمعت الأضحية والعقيقة من يكون أولى؟الأُضْحِيَّة والعقيقة سنتان، فإن عجز عن القيام بهما معا لفقر ونحوه قدَّم الأُضْحِيَّة؛ لضيق وقتها واتساع وقت العقيقة.
ما يتعلق بالمضحي والذابح
هل يجب على المضحي أن ينوى الأُضْحِيَّة؟يشترط نية الأضحية، لأن الذبح قد يكون لقصد الحصول على اللحم فحسب، وقد يكون تقربًا لله تعالى، والفعل لا يقع قربة إلا بالنية، فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضى الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))، أخرجه البخاري في صحيحه.
والمراد بالأعمال: القربات، ثم إن القربات من الذبائح أنواع كثيرة، كهَدِي التمتع والقِران والإحصار وجزاء الصيد وكفارة الحلف وغير ذلك مما يترتب على ارتكاب محظورات الحج والعمرة، فلا تتعين الأُضْحِيَّة من بين هذه القربات إلا بنية الأضحية، ومن ثَمَّ وجبت النية؛ لتحديد أي قربة يريد الذابح بما يذبحه، هل يريد الأضحية أم الهدي أم جزاء الصيد أم ... إلخ، وتكفي النية بالقلب دون التلفظ بها كما في الصلاة، لأن النية عمل القلب، والذكر باللسان دليل على ما فيه.
متى يطلق المضحي النية؟يشترط أن تكون النية مقارنة للذبح أو مقارنة لتعيين الذبيحة للتضحية، والذى يكون سابقا على الذبح عادة، سواء أكان هذا التعيين بشراء الشاة أم بإفرازها وتجنيبها عما يملكه من شياه أو بقر أو حيوانات أخرى، وسواء أكان ذلك للتطوع أم لنذر في الذمة، ومثله الجعل؛ كأن يقول: جعلت هذه الشاة أُضْحِيَّة، فالنية في هذا كله تكفي عن النية عند الذبح، وهذا عند الشافعية، وأما الحنفية والمالكية والحنابلة فتكفي عندهم النية السابقة عند الشراء أو التعيين.
هل يجوز ذبح الهدي أثناء الحج بنيتين؟
لا يجوز ذبح الهدي في أثناء الحج بنية الأُضْحِيَّة مع الهدي؛ لأن سبب مشروعية كل منهما مختلف ولا يقبل التداخل، فالأُضْحِيَّة مشروعة لشكر الله تعالى على سبيل الندب، أما ما يذبح في الحج فقد يكون واجبا كهدي التمتع، وهو واجب بسبب ترك الإحرام بالحج من الميقات؛ لأن المحرم يحرم لحجه من مكة، وكهدي القِران، وهو للجمع بين الحج والعمرة في سَفرة واحدة، وهو واجب أيضًا، وكالذبح لترك واجب من واجبات الحج، أو كفارة عن فعل محظور من ممنوعات الحج، وكلاهما واجب، وقد يكون ما يذبح في الحج قربة وليس بواجب كمن يهدي تطوعا لفقراء الحرم، وكل هذا مخالف للغرض من الأُضْحِيَّة.
نذرت أن أذبح عجلا، فهل يجوز أن أجمع بينه وبين الأُضْحِيَّة؟
الأصل في النذر أن يؤدي كما نذر، ولا يجوز لك الجمع بين الأُضْحِيَّة والنذر في هذه الذبيحة، فهذه الذبيحة تقع عن النذر. وإذا أردت الأضحية فعليك بذبيحة أخرى عنها.
هل يجب أن يذبح المضحي ذبيحته بنفسه؟
يستحب أن يذبحها بنفسه إن قدر على الذبح؛ لأنه قربة، ومباشرة القربة أفضل من تفويض إنسان آخر فيها، فإن لم يحسن الذبح فالأولى توليته مسلما يحسنه، ويستحب في هذه الحالة أن يشهد الأُضْحِيَّة، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ((يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فأشهديها)) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين.
ما حكم النيابة عن الأُضْحِيَّة؟اتفق الفقهاء على أنه تصح النيابة في ذبح الأُضْحِيَّة. فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((يَا فَاطِمَةُ قَوْمِي إِلَى أُضْحِيَّتِكَ فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ وَقُولِي: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ عِمْرَانُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكِ خَاصَّةً - فَأَهْلُ ذَاكَ أَنْتُمْ - أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: ((لَا بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً)) ، أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فهذا الحديث يفيد جواز النيابة ، لأن فيه إقرارا على حكم النيابة.
هل يجب أن يكون الذابح مالكا للأُضْحِيَّة؟يشترط أن تكون الذبيحة مملوكة للمضحي، أو مأذونا له من صاحبها في الأضحية بها صراحة أو دلالة ، فإن لم تكن كذلك لم تجزئ الأضحية بها ، لأنه ليس مالكا لها ولا نائبا عن مالكها، لأنه لم يأذن له في ذبحها عنه، والأصل فيما يعمله الإنسان أن يقع للعامل، ولا يقع لغيره إلا بإذنه.
ما حكم إنابة غير المسلم في ذبح الأُضْحِيَّة؟
ذهب الجمهور إلى صحة الأضحية مع الكراهة إذا كان النائب كتابيا من أهل الكتاب؛ لأنه من أهل الذكاة.
هل صك الأُضْحِيَّة مشروع؟
الصك نوع من أنواع الوكالة، وهي جائزة في النيابة في ذبح الأُضْحِيَّة وتوزيعها، ويجب على الوكيل أن يراعي الشروط الشرعية في الأُضْحِيَّة: من سِنِّها وسلامتها من العيوب، وذبحها في وقت الذبح، وتوزيعها على من يستحقها.
ما حكم الاقتراض من أجل الأُضْحِيَّة؟
الأُضْحِيَّة سنة لمن تكون لديه القدرة عليها، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، فمن كان غير واجد للمال الذي يكفي لشراء الأُضْحِيَّة فاشترى أضحيته بالثمن المقسط أو المؤجل لأجل معلوم وضحَّى بها؛ أجزأه ذلك.
هل يجوز للمضحى أن يدفع ثمن الأُضْحِيَّة من مال الزكاة؟
الجواب : لا يجوز ذلك؛ فالزكاة لها مصارفها المحددة وتعطى بنية الزكاة، أما الأُضْحِيَّة فتعطى بنية الأُضْحِيَّة، والأُضْحِيَّة يأكل منها الغني والفقير والمستحق للزكاة وغير المستحق لها. بخلاف الزكاة فلا ينبغي دفعها إلا لمن يستحقها من مصارفها.
هل يحرم على المضحي الأخذ من شعره وأظافره؟عَنْ أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا رأيتم هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وأراد أحدكم أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعرِهِ وأظفاره)) أخرجه مسلم في صحيحه. وفي رواية :((فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا)).
وجمهور العلماء علي أن الأمر بالإمساك عن الشعر والأظافر في هذا الحديث محمول علي الندب والاستحباب لا علي الحتم والإيجاب، بمعني أن من أراد أن يضحي فإنه يكره له الأخذ من شعره وأظفاره، وكذلك سائر جسده، فإن فعل لا يكون آثما، إنما تاركا للفضيلة فحسب. وذلك من ليلة اليوم الأول من ذي الحجة إلى الفراغ من ذبح الأُضْحِيَّة.
ما يستحب للمضحى فعله بالذبيحة قبل الأضحية؟يستحب قبل الأضحية أمور : أن يُظهِر (يربطها في مكان ظاهر) المضحي الأُضْحِيَّةَ قبل يوم النحر بأيام إن تيسر له ذلك، وعلى ألا يضر غيره، لما فيه من الاستعداد للقربة وإظهار الرغبة فيها ، فيكون له فيه أجر وثواب.
وأن يقلدها ويجللها؛ قياسا على الهدي، لأن ذلك يشعر بتعظيمها، قال تعالى: «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» [الحج: 32]. والتقليد: تعليق شيء في عنق الحيوان؛ ليعلم أنه هدي أو أُضْحِيَّة. والتجليل: إلباس الدابة الجُلّ -بضم الجيم، ويجوز فتحها مع تشديد اللام-، وهو ما تغطى به الدابة لصيانتها.
وأن يسوقها إلى مكان الذبح سوقا جميلا لا عنيفا، ولا يجر برجلها إليه، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شيء فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)) أخرجه البخاري في صحيحه.، كما يستحب عرض الماء على الذبيحة قبل الذبح.
ما حكم الجماع للمضحي؟يجوز لمن أراد أن يضحي أن يجامع زوجته في العشر من ذي الحجة ما لم يكن هناك مانع شرعي كالحيض والنفاس.
هل هناك دعاء يقوله المضحي عند ذبح الأُضْحِيَّة؟يستحب أن يدعو فيقول: اللهم منك وإليك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عِيدٍ بِكَبْشَيْنِ فَقَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: ((إني وَجَّهْتُ وَجْهِيَ للذي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صلاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ)). أخرجه أحمد في مسنده.
ويستحب بعد التسمية التكبير ثلاثا والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدعاء بالقبول.
ما الذي يستحب للمضحي بعد الأضحية؟يستحب للمضحي بعد الذبح أمور منها ما يلي: 1- أن ينتظر حتى تسكن جميع أعضاء الذبيحة فلا ينخَع -أي : يتجاوز محل الذبح إلى النخاع، وهو الخيط الأبيض الذي في داخل العظم، ولا يسلخ قبل زوال الحياة عن جميع جسدها.
وأن يأكل منها ويطعم ويدخر؛ لقوله تعالى: «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» [الحج: 27، 28]، وقال تعالى أيضا: «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: 36]، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا ضَحَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ)) أخرجه أحمد في مسنده.
المسافر يضحي في بلد سفره أم يوكل من ينوب عنه ليذبح في بلده الأصلي؟
إذا سافر رب الأسرة للعمل في بلد ما فله أن يذبح في بلد عمله، وله أن ينيب من يذبح عنه الأُضْحِيَّة في بلده الأصلي، فذبحه في بلد عمله النظر فيه لكونه القائم بالسنة والمتصدق ببعضها، والذبح في بلده الأصلي النظر فيه لكون الأُضْحِيَّة عن نفسه وعن أسرته وعمن ينفق عليهم.
ما حكم الأضحية عن الميت؟
إذا أوصى الميت بالأضحية عنه، أو وقف وقفا لذلك جاز بالاتفاق، فإن كانت واجبة بالنذر وغيره وجب على الوارث إنفاذ ذلك، و أما إذا لم يوص بها فأراد الوارث أو غيره أن يضحي عنه من مال نفسه، فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز الأضحية عنه، وقال الشافعية: إن الذبح عن الميت لا يجوز بغير وصية أو وقف.
هل تجزئ الأُضْحِيَّة عن صاحبها وأهل بيته أم عن صاحبها فقط؟
تجزئ الأُضْحِيَّة عن صاحبها وعن أهل بيته الذين ينفق عليهم، فالشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت الواحد، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت، تأدى الشعار والسنة عن جميعهم، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي.
فعنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ. فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحّيَ بِهِ. فَقَالَ لَهَا: "يَا عَائِشَةُ هَلُمّي الْمُدْيَةَ". ثُمّ قَالَ "اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ" فَفَعَلَتْ. ثُمّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ. ثُمّ ذَبَحَهُ. ثُمّ قَالَ "بِاسْمِ اللّهِ. اللّهُمّ تَقَبّلْ مِنْ مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ. وَمِنْ أُمّةِ مُحَمّدٍ" ثُمّ ضَحّىَ به)) أخرجه مسلم في صحيحه.
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا فِيكُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيّ ِصلى الله عليه وسلم، يُضَحِّى بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَ كَمَا تَرَى)) أخرجه مالك وابن ماجه والترمذي وصححه.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ رضي الله عنه وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : ((هُوَ صَغِيرٌ)) فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ)) أخرجه البخاري في صحيحه.
هل يجوز الاشتراك في الأُضْحِيَّة؟لا يجوز الاشتراك في الشاة والماعز؛ لأن الواحدة منها لا تجزئ إلا عن أُضْحِيَّة واحدة، ويجوز الاشتراك في الأُضْحِيَّة إذا كانت الذبيحة من الإبل أو البقر، لأن السبع الواحد منها يجزئ عن أُضْحِيَّة، فيمكن لسبعة أفراد مختلفين أن يتشاركوا في بدنة أو بقرة.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ((نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ)) أخرجه مسلم في صحيحه.
رجل متزوج ويعيش في بيت مستقل، فهل يجوز أن يشترك هو ووالده في شاة واحدة؟
لا يجوز ذلك، والأضحية سنة وليست واجبة على المفتى به، ويجوز الاشتراك في الأضحية إذا كان المشارك معدودا من أهل المضحِّى الذين يقوم المضحِّى بالإنفاق عليهم -ولو تبرعاً- فإذا تحقق ذلك جاز لهم الاشتراك في الأضحية ولو شاة، فإذا تخلف شرط من الشروط الثلاثة التي هي: القرابة والمساكنة والإنفاق امتنع الاشتراك في الأضحية، ولا تحقق للسنة إلا بأن يضحى كل منهما بأضحية مستقلة.
رجل مسن، ويقيم مع ابنته في بيت زوجها، فهل تجزئ عنه أُضْحِيَّة واحدة أم لا؟
إذا كان ينفق على نفسه، فلا تجزئ الأضحية عه وعن زوج ابنتك وأسرته، وينبغي لتحقيق السنة أن يضحى كلَّ منكما عن نفسه وأسرته التي ينفق عليها.
اعتاد والدى رحمه الله تعالى أن يضحى كل عام، ويريد أخي أن يستمر في تلك العادة، فهل تجزئ أُضْحِيَّة واحدة عنا جميعا: الأخوة القصر وأسرة أخي، أم لا بد من أضحيتين؟
إذا كان المشارك معدودا من أهل المضحِّى الذين يقوم المضحِّى بالإنفاق عليهم -ولو تبرعا- جاز لهم الاشتراك في كل أضحية ولو شاة. فإذا تخلف شرط من الشروط الثلاثة -التي هي: القرابة والمساكنة والإنفاق- امتنع الاشتراك. وعليه، فإذا كان الأخ صاحب الأضحية ينفق على هؤلاء الأخوة جاز له أن يشركهم معه في أضحيته، وأجزأت عنهم جميعا.
ما حكم اشتراك غير المسلم في الأضحية؟
اشتراك غير المسلم مع المسلم، واشتراك المضحي وغير المضحي في الأضحية التي يجوز فيها الاشتراك -كالبقرة أو الناقة- جائز شرعا، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، قال الإمام النووي عند شرحه أحاديث الباب [شرح مسلم (4/ 455]: [فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة لِجَوَازِ الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي، وَفِي الْمَسْأَلَة خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء، فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ جَوَاز الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي ، سَوَاء كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا ، وَسَوَاء كَانُوا كُلّهمْ مُتَقَرِّبِينَ أَوْ بَعْضهمْ يُرِيد الْقُرْبَة، وَبَعْضهمْ يُرِيد اللَّحْم، وَدَلِيله هَذِهِ الْأَحَادِيث ، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء ، وَقَالَ دَاوُدَ وَبَعْض الْمَالِكِيَّة : يَجُوز الِاشْتِرَاك فِي هَدْي التَّطَوُّع دُون الْوَاجِب، وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز مُطْلَقًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يَجُوز إِنْ كَانُوا كُلّهمْ مُتَقَرِّبِينَ، وَإِلَّا فَلَا]، وقال العلامة البهوتي في "شرح الإقناع" (2/533 ط دار الكتب العلمية): [ويجوز الاشتراك في البدن والبقر (ولو كان بعضهم) أي: الشركاء (ذميا في قياس قوله) أي: الإمام (قاله القاضي) وجزم بمعناه في المنتهى]. وبناء عليه: فيجوز أن يشترك المضحي وغير المضحي، وسواء كان غير المضحي مسلما أو غير مسلم، أو كان غير المضحي يريد قربة أخرى غير الأضحية أو يريد مجرد اللحم أو غير ذلك في الذبيحة التي تقوم عن سبعة كالبدنة والبقرة.
ما الشروط التي يجب توافرها في الذابح؟
يشترط في الذابح أن يكون: عاقلا ومسلما أو كتابيا وألا يذبح لغير اسم الله تعالى.
هل يجوز إعطاء الجزار جلد الأُضْحِيَّة؟لا يجوز أن يعطى الجزار شيئا من الأضحية –كجلدها- مقابل أجره، كما لا يجوز بيع شيء من الأضحية. فعَنْ عَلِىٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه قَال: ((أَمَرَني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لاَ أُعْطِي الْجَزَّارَ مِنْهَا، قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا)). أخرجه مسلم في صحيحه، وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وليس فيها أجر الجازر)).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ))، أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: هذا الحديث صحيح ولم يخرجاه.
فلا يجوز للمسلم أن يعطي الجزار شيئا من الأُضْحِيَّة على سبيل الأجر، ويمكن إعطاؤه على سبيل التفضل والهدية أو الصدقة، أما كأجر له فيحرم ذلك؛ للحديث السابق، ولأن إعطاء الجزار شيئا من الأُضْحِيَّة يشبه البيع من الأُضْحِيَّة، وهو غير جائز، لأنها خرجت كلها لله، فلا يجوز بيع شيء منها، ولا دفع الأجرة منها.
ما يتعلق بالذبح:
ما الذبح، وما كيفيته الصحيحة شرعا؟
يطلق الذبح في اللغة على الشق وهو المعنى الأصلي، ثم استعمل في قطع الحلقوم من مقدم العنق عند المفصل الذى بين العنق والرأس تحت اللحيين (وهما العظمان اللذان يلتقيان في الذقن، وتنبت عليهما الأسنان السفلى) وهذا المفصل يسمى بالنصيل.
وموضع الذبح يكون في الحلق من الشاه والبقرة. وأما تذكية الإبل فتسمى بالنحر ، ويكون في اللبة. وحقيقة الذبح قطع الأوداج كلها أو بعضها في الحلق على حسب اختلاف المذاهب. وبيان ذلك أن الأوداج أربعة وهي: الحلقوم والمريء والعرقان اللذان يحيطان بهما ويسميان (الودجين)، ولا بد من قطع اثنين على الأقل وهما الحلقوم والمريء عند الشافعية والحنابلة، وهو المفتى به، لأن الذبح إزالة الحياة، والحياة لا تبقى بعد قطعهما عادة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا قطع أي ثلاثة من الأوداج أجزأ، وقال المالكية: إذا قطع جميع الحلقوم والودجين حل. ولا بد من الذبح أو النحر حتى يحلَّ أكل الذبيحة.
ما النحر وكيف يكون؟
النحر يكون في الإبل، وحقيقة النحر: وضع آلة النحر في اللبة مع قطع الأوداج، على الخلاف المذكور بين العلماء، وبيان ذلك أن الأوداج أربعة وهي: الحلقوم والمريء والعرقان اللذان يحيطان بهما ويسميان (الودجين)، ولا بد من قطع اثنين على الأقل وهما الحلقوم والمريء عند الشافعية والحنابلة، وهو المفتى به، لأن الذبح إزالة الحياة، والحياة لا تبقى بعد قطعهما عادة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا قطع أي ثلاثة من الأوداج أجزأ، وقال المالكية: إذا قطع جميع الحلقوم والودجين حلَّ.
واللبّة: هي الثغرة بين الترقوتين أسفل العنق، ويستحب في النحر أن تكون الإبل قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى، وكيفية النحر عند المالكية هي أن يوجه الناحر ما يريد نحره للقبلة ويقف بجانب الرجل اليمنى غير المعقولة ممسكا مشفره لأعلى بيده اليسرى ويطعنه في لبته بيده اليمنى مُسَمِّيا.
والدليل على هذا قوله تعالى: «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ» [الحج: 36]. وقال ابن عباس : "معقولة على ثلاثة". أخرجه البيهقي. وكذلك أحاديث، منها عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما: ((أَتَى عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم)) أخرجه مسلم في صحيحه.
هل يشترط في آلة الذبح شروط معينة؟يشترط في آلة الذبح: أن تكون قاطعة: معدنية أو غير معدنية، فعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ)). أخرجه البخاري في صحيحه.
ما مستحبات الذبح؟يستحب في الذبح أشياء معظمها مأخوذ من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شيء فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)) أخرجه مسلم في صحيحه، وعليه فيستحب في ذبح الأُضْحِيَّة ما يلي: أن يكون بآلة حادة كالسكين والسيف الحادين.
والتذفيف في القطع، وهو الإسراع؛ لأن فيه إراحة للذبيحة. واستقبال القبلة من جهة الذابح ومن جهة مذبح الذبيحة؛ لأن القبلة جهة الرغبة إلى طاعة الله تعالى، ولا بد للذابح من جهة، وجهة القبلة هي أشرف الجهات، وكان ابن عمر وغيره يكرهون أكل الذبائح المذبوحة لغير القبلة.
وإحداد الشفرة قبل الذبح مع مراعاة عدم رؤية الحيوان ذلك ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((أَنَّ رَجُلا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ ؟ هَلا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا)). أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وينبغي التنبيه إلى أنه لا تحرم الذبيحة بترك شيء من مستحبات الذبح أو فعل شيء من مكروهاته؛ لأن النهي المستفاد من الحديث ليس لمعنى في المنهي عنه بل لمعنى في غيره، وهو ما يلحق الحيوان من زيادة ألم لا حاجة إليها، فلا يوجب الفساد.
وأن تضجع الذبيحة على شقها الأيسر برفق، والدليل على استحباب الإضجاع في جميع المذبوحات حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ((أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ)) أخرجه مسلم في صحيحه.
قال الشيخ زكريا الأنصاري في أسني المطالب (6/ 496): [يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْحَرَ ( الْبَعِيرُ قَائِمًا عَلَى ثَلَاثٍ ) مِنْ قَوَائِمِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قِيَامًا عَلَى ثَلَاثٍ ( مَعْقُولًا ) فِي الرُّكْبَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَنْ تَكُونَ الْمَعْقُولَةُ الْيُسْرَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهُ قَائِمًا ( فَبَارِكَا وَ ) أَنْ ( يُذْبَحَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ) وَنَحْوُهُمَا كَالْخَيْلِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ بِأَنْ يُقْطَعَ حَلْقُهَا أَعْلَى الْعُنُقِ وَأَنْ تَكُونَ ( مُضْجَعَةً ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الشَّاةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقِيسَ بِهَا الْبَقِيَّةُ ؛ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ ( عَلَى ) جَنْبِهَا ( الْأَيْسَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَار].
فيؤخذ من التعليل أنه إن كان الذابح أعسر فيكون الإضجاع بالعكس على اليمين، وهذا في حق الذبائح التي تحتاج إلى إضجاع، بخلاف الإبل التي تنحر قائمة.
وسوق الذبيحة إلى المذبح برفق، وعرض الماء على الذبيحة قبل ذبحها. وعدم المبالغة في القطع حتى يبلغ الذابح النخاع، أو يُبين رأس الذبيحة حال ذبحها، وكذلك بعد الذبح وقبل أن تبرد، وكذا سلخها قبل أن تبرد؛ لما في ذلك من إيلام لا حاجة إليه، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبيحة أن تفرس)) أخرجه البيهقي في سننه.
قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (3/ 428) :[فِي حَدِيثِ عُمَرَ ((أَنه كَرِه الفَرْسَ فِي الذَّبَائِحِ)) وَفِي رِوَايَةٍ ((نَهى عَنِ الفَرْس فِي الذَّبيحة)) هُوَ كَسْر رَقَبتها قَبْلَ أَنْ تَبْرُد].
وإذا كانت الذبيحة قربة من القربات كالأُضْحِيَّة يكبر الذابح ثلاثا قبل التسمية وثلاثا بعدها، ثم يقول: اللهم هذا منك وإليك فتقبله مني، وكون الذبح باليد اليمنى، وأما الإبل فتختص بالنحر.
ما أول وقت ذبح الأُضْحِيَّة؟يدخل وقت ذبح الأُضْحِيَّة بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الضحى، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي، وهذا قول الشافعية والحنابلة، وبه قال ابن المنذر وداود الظاهري والطبري، وهو المفتى به.
ما آخر وقت ذبح الأُضْحِيَّة؟
ينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهو رابع أيام العيد، إذ إن أيام النحر أربعة: يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة الآتية بعده، فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ)) أخرجه أحمد في مسنده. وقال الإمام الشافعي في "الأم"(2/ 244): [فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق، ثم ضحى أحد، فلا ضحية له].
ما أفضل وقت لذبح الأُضْحِيَّة؟أفضل وقت لذبح الأُضْحِيَّة، هو اليوم الأول، وهو يوم الأضحى بعد فراغ الناس من صلاة العيد، فاليوم الأول أفضل في الذبح من الأيام الثلاثة التالية له، وإنما كان اليوم الأول أفضل لأن الأضحية فيه مسارعة إلى الخير، وقد قال الله تعالى ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، والمقصود المسارعة إلى سبب المغفرة والجنة، وهو العمل الصالح.
هل يجوز ذبح الأُضْحِيَّة في ليالي أيام النحر؟ليلة عيد الأضحى ليست وقتا للتضحية بلا خلاف، وكذلك الليلة المتأخرة من أيام النحر، وإنما الخلاف في الليلتين أو الليالي المتوسطة بين أيام النحر، فالمالكية يقولون : لا تجزئ الأضحية التي تقع في الليلتين المتوسطتين، وهما ليلتا يومي التشريق من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
وقال الحنابلة والشافعية: إن الأضحية في الليالي المتوسطة تجزئ مع الكراهة؛ لأن الذابح قد يخطئ المذبح، وإليه ذهب إسحاق وأبو ثور والجمهور. وهو أصح القولين عند الحنابلة.
واستثنى الشافعية من كراهية الأضحية ليلا ما لو كان ذلك لحاجة، كاشتغاله نهارا بما يمنعه من الأضحية، أو مصلحة كتيسر الفقراء ليلا، أو سهولة حضورهم. وهو المفتى به.
ما حكم ذبح الأضاحي في الشوارع؟العمل المسؤول عنه من السيئات العِظام والجرائم الجِسام؛ لأن فيه إيذاء للناس ، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58]، وفاعل ذلك إنما يتخلق بأخلاق بعيدة عن أخلاق المسلمين، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه)) أخرجه البخاري في صحيحه.
والذابح للأضاحي أو غيرِها في شوارع الناس وطرقهم مع تركه للمخلفات فيها يؤذيهم بدمائها المسفوحة التي هي نجسة بنص الكتاب العزيز، ويعرضهم أيضًا لمخاطر الإصابة بالأمراض المؤذية، وأين هؤلاء من حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الذي رواه أَبو بَرْزَةَ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ: يَا نبي اللَّهِ، علمني شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ . قَالَ :(( اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ)) أخرجه مسلم في صحيحه.
وكما أن إماطة الأذى صدقة، وهي من شعب الإيمان، فإن وضع الأذى في طريق الناس خطيئة، وهو من شعب الفسوق والعصيان؛ وإن ذلك ليجلب الأذى لفاعله في الدنيا والآخرة؛ وبرهان ذلك ما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل)) أخرجه أبو داود في سننه.
فإن هذه الخصال تستجلب لعنَ الناسِ لفاعليها، وما نحن فيه -مِن تقذير شوارع الناس ومرافقهم وتعريضهم للأمراض والأخطار- مثير لغيظ الناس واشمئزازهم وحنقهم على فاعليها ومرتكبيها، فالواجب القيام بهذا الذبح في الأماكن المعدة والمجهزة لمثل ذلك، والواجب الحرص على الناس وعلى ما ينفعهم، والنأي بالنفس عن كل ما يُكَدِّر عيشَهم أو يؤذي مشاعرهم وأبدانهم.
ما يتعلق بالذبيحة:
ما شروط الأُضْحِيَّة؟شروط الأُضْحِيَّة هي: - أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، ومن الغنم: الضأن والمعز. - وأن تبلغ السن المحددة شرعًا، بأن تكون جذعة للضأن، وأن تكون ثنية في غيره، ويتسامح في ذلك لذوات اللحم الوفير. وأن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي العور البيِّن، والمرض البيِّن، والعرج البيِّن، والهزال المزيل للمخ.
وأن تكون ملكًا للمضحي أو مأذونًا له في التضحية بها، وأن يكون الذبح في الوقت المحدد شرعا، ويبدأ من شروق شمس يوم النحر (العاشر من ذي الحجة)، وينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق، وبذلك تكون أيام الذبح أربعة أيام.
وأن يكون الحيوان حيَّا وقت الذبح، وأن يكون زهوق روحه بمحض الذبح، فلو اجتمع الذبح مع سبب آخر للموت يُغَلب المحرِّم على المبيح، فتصير ميتة لا مذكاة. وألا يكون الحيوان صيدًا من صيد الحرم، فلو ذُبح صيد الحرم كان ميتة، سواء كان ذابحه محرما أو حلالا (غير محرم).
هل يجوز أن تكون الأُضْحِيَّة من غير الأنعام؟اتفق الفقهاء على أن الأُضْحِيَّة لا تكون من غير الأنعام، وهي الإبل سواء كانت عربية أو غير ذلك من أصناف الإبل، والبقر والجواميس الأهلية بأنواعها، والغنم: ضأنا كانت أو معزا ، ويجزئ من كل ذلك الذكور والإناث.
فمن ضحَّى بحيوان مأكول غير الأنعام، سواء أكان من الدواب أم الطيور، لم تصح تضحيته به، لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج: 34]. ولأنه لم تنقل التضحية من حيوان غير الأنعام عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه لو ذبح دجاجة أو ديكا بنية الأضحية لم يجزئه.
ما سن الأُضْحِيَّة وقت الذبح؟عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ))، أخرجه مسلم في صحيحه. والمسنة من كل الأنعام هي الثنية فما فوقها. وقال الإمام النووي في" المجموع" (8/ 393): [قال أهل اللغة: المسن: الثني من كل الأنعام فما فوقه]. وإنما تبلغ الأُضْحِيَّة سن الأضحية بأن تكون ثنية أو فوق الثنية من الإبل والبقر والمعز، وجذعة أو فوق الجذعة من الضأن، فلا تجزئ الأضحية بما دون الثنية من غير الضأن، ولا بما دون الجذعة من الضأن.
فأقل ما يجزئ من السن : الجذع من الضأن: وهو ما أتم ستة أشهر. والمسنة من الماعز هي الثني: وهي ما أتم سنة قمرية ودخل في الثانية دخولا بينًا ؛ كأن يمر عليها شهر بعد بلوغ السنة. والمسنة من البقر هي الثني : وهي ما بلغ سنتين قمريتين، والجاموس نوع من البقر. والمسنة من الإبل (الجمال) الثني: وهو ما كان ابن خمس سنين.
هل يجوز تخلف شرط السن في الأُضْحِيَّة؟اشترطت الشريعة للأُضْحِيَّة سنًّا معينة؛ لمَظِنَّةِ أن تكون ناضجة كثيرة اللحم؛ رعاية لمصلحة الفقراء والمساكين، فإذا كانت المستوفية للسن المحدد في نصوص الشرع الشريف هزيلة قليلة اللحم، ووجد من الحيوانات التي لم تستوفِ السن المحددة شرعًا ما هو كثير اللحم كما يحدث في هذا الزمان؛ نتيجة للقيام بعلف الحيوان الصغير بمركزات تزيد من لحمه؛ بحيث إذا وصل إلى السن المحدد هَزُلَ وأخذ في التناقص، خاصةً مع الأساليب العلمية الحديثة لتربية العجول والتي تعتبر وزن النضج هو 350 كجم أو نحوها للعجل، عند سنّ 14-16 شهرًا؛ وهي سن الاستفادة الفضلى من لحمه، بل لا يُبقَى عليه عادةً بعدها إلا لإرادة اللقاح والتناسل لا اللحم، وهو في هذا السن يسمى جذعًا، فلا مانع حينئذ من الأضحية به؛ فإن العلة هي وفرة اللحم وقد تحققت في الحيوان الذي لم يبلغ السن أكثر من تحققها في الذي بلغها، والإسلام قد راعى مصالح العباد وجعل ذلك من مقاصد الشريعة الغراء؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ)) رواه مسلم.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (2/370-371، ط. المنيرية) في حكاية مذاهب العلماء في المسألة: [أجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني, ولا من الضأن إلا الجذع, وأنه يجزئ هذه المذكورات، إلا ما حكاه العبدري وجماعة من أصحابنا عن الزهري أنه قال: لا يجزئ الجذع من الضأن، وعن الأوزاعي: أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن, وحكى صاحب "البيان" عن ابن عمر كالزهري, وعن عطاء كالأوزاعي] .
وعبارة الإمام العمراني في "البيان" (4/440، ط. دار المنهاج): [وقال عطاء والأوزاعي: يجزئ الجذع من جميع الأجناس]. وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (11/100، ط. دار الفكر): [ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، والثني من غيره، وبهذا قال مالك والليث والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال ابن عمر والزهري: لا يجزئ الجذع؛ لأنه لا يجزئ من غير الضأن، فلا يجزئ منه كالحمل، وعن عطاء والأوزاعي: يجزئ الجذع من جميع الأجناس؛ لما روى مجاشع بن سليم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إِنَّ الجَذَعَ يُوفِي مِمَّا يُوفِي مِنْهُ الثَّنِيُّ)) رواه أبو داود والنسائي.
ولنا: أن الجذع من الضأن يجزئ؛ لحديث مجاشع رضي الله عنه وأبي هريرة رضي الله عنه وغيرهما، وعلى أن الجذعة مِن غيرها لا تجزئ: قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن))، وقال أبو بردة بن نيار: عندي جذعة أحب إلي من شاتين، فهل تُجزِئُ عني؟ قال: ((نعم، ولا تجزئ عن أحد بعدك)) متفق عليه، وحديثهم محمول على الجذع من الضأن؛ لما ذكرنا] .
فالأصل عند جماهير العلماء في سن الأُضْحِيَّة في البقر أن تكون من الثَّنِيِّ، وهو ما جاوز عمره سنتين، فإذا وُجدَ كان أفضل، وإذا لم يوجد إلا جَذَع (وهو ما جاوز السنة) وكان عظيمًا وافر اللحم فلا بأس به؛ عملا بمذهب عطاء والأوزاعي، ويندرج في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الْجَذَع يوفي مما يوفي منه الثني))، رواه أبو داود والنسائي من حديث مُجاشع بن مسعود رضي الله عنه، والجذع والثَّنِيّ في كل جنس من هذه الأنعام بحسبه على خلاف بين العلماء في ذلك، والراجح أن الجذع من البقر ما جاوز عمره سنة، والثَّنِيّ منها ما جاوز عمره سنتين، ويقال له: المسن أيضًا، وجواز الأُضْحِيَّة بالجذع من كل حيوان –حتى المعز- هو مذهب الإمامين الفقيهين عطاء والأوزاعي رحمهما الله تعالى كما سبق، ويستدل لهذا المذهب بظاهر حديث أبي داود والنسائي السابق، والذي يدل على أن الأصل الثَّنِيّ، فإذا لم يوجد إلا الجذع فإنه يوفي مما يوفي منه الثَّنِيّ.
وحَمْلُ حديث مجاشع على أنه في الجذع من الضأن غير متعين؛ لأنه لو لم يرد حديث مجاشع لجاز لنا قياس الجذع من البقر والإبل -إذا عسرت المسنة منهما- على الجذع من الضأن إذا عسرت المسنة منه؛ إذ لا فرق بين الأجناس، والأصل فيها جميعا الثني المسن، فإذا لم يوجد وجاز الجذع في أحدها جاز في جميعها، ويكون قيد (من الضأن) الوارد في حديث مسلم: ((لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ)) إنما هو لبيان الواقع في الواقعة نفسها، أو خرج مخرج الغالب؛ لغلبة الضأن ويسره عليهم، والقيود التي لبيان الواقع أو خرجت مخرج الغالب لا مفهوم لها، ولا تقييد بها على ما هو مقرر في أصول الفقه. وحديث مسلم تأوله الجمهور –على ما نقله عنهم العلامة ابن حجر الشافعي في "تحفة المحتاج" (9/349)- بحمله على الندب؛ أي: يُسَنُّ لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن.
وفي "نيل الأوطار" شارحا للحديث نفسه: [قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع ولا يجزئ إلا إذا عسر على المضحي وجود المسنة. وقد قال ابن عمر والزهري: إنه لا يجزئ الجذع من الضأن ولا من غيره مطلقًا. قال النووي: ومذهب العلماء كافة أنه يجزئ سواء وجد غيره أم لا، وحملوا هذا الحديث على الاستحباب، والأفضل, تقديره: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن].
وعليه فيجوز ذبح الصغيرة التي لم تبلغ السن إن كانت عظيمة بحيث لو خلط بالثنايا لاشتبه على الناظرين من بعيد، حيث إن وفرة اللحم في الذبيحة هي المقصد الشرعي من تحديد هذا السن، فلو حصلت وفرة اللحم أغنت عن شرط السن، وهو المفتى به.
هل هناك من العيوب ما يمنع ذبح الأُضْحِيَّة؟يشترط في الأُضْحِيَّة سلامتها من العيوب الفاحشة، وهي العيوب التي من شأنها أن تنقص الشحم أو اللحم إلا ما استثني، وبناء على هذا الشرط لا تجزئ الأضحية بما يأتي: العمياء العوراء البيِّن عورها، وهي التي ذهب بصر إحدى عينيها، وفسرها الحنابلة بأنها التي انخسفت عينها وذهبت، لأنها عضو مستطاب، فلو لم تذهب العين أجزأت عندهم، وإن كان على عينها بياض يمنع الإبصار. ومقطوعة اللسان بالكلية. وما ذهب من لسانها مقدار كثير، وقال الشافعية : يضر قطع بعض اللسان ولو قليلا.
والجدعاء وهي مقطوعة الأنف، ومقطوعة الأذنين أو إحداهما، وكذا السكاء وهي: فاقدة الأذنين أو إحداهما خلقة، وخالف الحنابلة في السكاء، وما ذهب بعض الأذن مطلقا، والعرجاء البيِّن عرجها، وهي التي لا تقدر أن تمشي برجلها إلى المنسك – أي المذبح - وفسرها المالكية والشافعية بالتي لا تسير بسير صواحبها، والجذماء وهي: مقطوعة اليد أو الرجل، وكذا فاقدة إحداهما خلقة.
والجذاء وهي: التي قطعت رءوس ضروعها أو يبست. وقال الشافعية : يضر قطع بعض الضرع، ولو قليلا، ومقطوعة الإلية، وكذا فاقدتها خلقة، وخالف الشافعية فقالوا بإجزاء فاقدة الإلية خلقة، بخلاف مقطوعتها.
وما ذهب من إليتها مقدار كثير، ومقطوعة الذنَب، وكذا فاقدته خلقة، وهي المسماة بالبتراء،و ما ذهب من ذنَبها مقدار كثير، والمريضة البين مرضها، أي التي يظهر مرضها لمن يراها، والعجفاء التي لا تنقي، وهي المهزولة التي ذهب نقيها، وهو المخ الذي في داخل العظام، فإنها لا تجزئ، لأن تمام الخلقة أمر ظاهر، فإذا تبين خلافه كان تقصيرا.
ومُصَرَّمَة الأطباء، وهي التي عولجت حتى انقطع لبنها، والْجَلاَّلَة، وهي التي تأكل العذرة ولا تأكل غيرها، مما لم تستبرأ؛ بأن تحبس أربعين يوما إن كانت من الإبل، أو عشرين يوما إن كانت من البقر، أو عشرة إن كانت من الغنم.
وذكر الشافعية من أن (الهيماء) لا تجزئ، وهي المصابة بالهيام وهو عطش شديد لا ترتوي معه بالماء، فتهيم في الأرض ولا ترعى، وكذا (الحامل) على الأصح، لأن الحمل يفسد الجوف، ويجعل اللحم رديئا، والأصل الذي دل على اشتراط السلامة من هذه العيوب كلها ما يلي: عن عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ قَالَ: قُلْتُ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: حدثني بِمَا كَرِهَ أَوْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأضاحي. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا بِيَدِهِ، وَيَدِى أَقْصَرُ مِنْ يَدِهِ: ((أَرْبَعٌ لاَ تُجْزِئُ في الأضاحي:الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ التي لاَ تُنْقِي)) أخرجه ابن ماجه في سننه.
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالأُذُنَ، وَأَنْ لاَ نُضَحِّي بِمُقَابَلَةٍ وَلاَ مُدَابَرَةٍ وَلاَ شَرْقَاءَ وَلاَ خَرْقَاءَ)) أخرجه الترمذي في سننه. وعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: ((نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِعَضْبَاءِ الأُذُنِ وَالْقَرْنِ)) أخرجه أبو داود في سننه.
ما الأنعام التي تجزئ الأضحية بها وفيها عيوب؟الأنعام التي تجزئ في الأُضْحِيَّة وبها عيب ليس بفاحش هي كالآتي : الجماء: وتسمى الجلحاء، وهي التي لا قرن لها خلقة، ومثلها مكسورة القرن إن لم يظهر عظم دماغها.
فعَنْ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِىٍّ: أَنَّ عَلِيًّا سُئِل عَنِ الْبَقَرَةٍ فَقَالَ: عَنْ سَبْعَةٍ. وَسُئِلَ عَنِ الْمَكْسُورَةِ الْقَرْنِ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ. وَسُئِلَ عَنِ الْعَرَجِ فَقَالَ: مَا بَلَغَتِ الْمَنْسَكَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَيْنِ وَالأُذُنَيْنِ. أخرجه أحمد في مسنده.
وقال الشافعية: تجزئ وإن أدمى موضع الكسر، ما لم يؤثر ألم الانكسار في اللحم، فيكون مرضا مانعا من الإجزاء. وهو المفتي به، والحولاء، وهي التي في عينها حول لم يمنع البصر. و الصمعاء، وهي الصغيرة إحدى الأذنين أو كليهما. والشرقاء وهي مشقوقة الأذن، وإن زاد الشق على الثلث.
و الخرقاء وهي مثقوبة الأذن، ويشترط في إجزائها: ألا يذهب بسبب الخرق مقدار كثير. و المدابرة، وهي التي قطع من مؤخر أذنها شيء ولم يفصل، بل ترك معلقا.
والهتماء، وهي التي لا أسنان لها، لكن يشترط في إجزائها ألا يمنعها الهتم عن الرعي والاعتلاف، فإن منعها عنهما لم تجزئ، وقال الشافعية: تجزئ ذاهبة بعض الأسنان إن لم يؤثر نقصا في الاعتلاف، ولا ذاهبة جميعها ولا مكسورة جميعها، وتجزئ المخلوقة بلا أسنان.
والثولاء، وهي المجنونة، ويشترط في إجزائها: ألا يمنعها الثول عن الاعتلاف، فإن منعها منه لم تجزئ ، لأن ذلك يفضي إلى هلاكها، والجرباء السمينة، بخلاف المهزولة. وقال الشافعية: لا تجزئ الجرباء مطلقا، والمكويَّة، وهي التي كويت أذنها أو غيرها من الأعضاء.
والموسومة وهي: التي في أذنها سمة، والعاجزة عن الولادة لكبر سنها و الخصي، وإنما أجزأ، لأن ما ذهب بخصائه يعوض بما يؤدي إليه من كثرة لحمه وشحمه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّىَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ لِمَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلاَغِ، وَذَبَحَ الآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم)) أخرجه ابن ماجه في سننه. قال العلامة الشيخ عميرة في "حاشيته على شرح المحلى على المنهاج" (16/ 104): [((ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ)) أَيْ مَخْصِيَّيْنِ].
ما حكم طروء العيب المُخلّ بعد تعيين الأُضْحِيَّة؟من أوجب أُضْحِيَّة معينة بالنذر أو الجعل، ثم طرأ عليها عيب يمنع إجزاءها قبل دخول الوقت الذي تجزئ فيه الأضحية، أو بعد دخوله وقبل تمكنه من الذبح، ولم يقع منه تفريط ولا اعتداء؛ لم يلزمه بدلها، لزوال ملكه عنها من حين الإيجاب، ويلزمه أن يذبحها في الوقت ويتصدق بها كالأُضْحِيَّة، وإن لم تعد أُضْحِيَّة.
وإذا طرأ العيب باعتدائه أو تفريطه أو تأخره عن الذبح في أول الوقت بلا عذر؛ لزمه ذبحها في الوقت والتصدق بها، ولزمه أيضا أن يضحي بأخرى؛ لتبرأ ذمته. ولو اشترى شاة وأوجبها بالنذر أو الجعل، ثم وجد بها عيبا قديما، فليس له أن يردها على البائع، لأنه زال ملكه عنها بمجرد الإيجاب، فيتعين أن يبقيها، وله أن يأخذ أرش النقص من البائع، ولا يجب عليه التصدق به، لأنه ملكه، وعليه أن يذبحها في الوقت، ويتصدق بها كلها لشبهها بالأُضْحِيَّة، وإن لم تعد أُضْحِيَّة، ويسقط عنه الوجوب بهذا الذبح، ويسن له أن يردفها بسليمة، لتحصل له سنة الأضحية.
ولو زال عيبها قبل الذبح لم تصر أُضْحِيَّة؛ إذ السلامة لم توجد إلا بعد زوال ملكه عنها. ولو قدم المضحي أُضْحِيَّة ليذبحها، فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه، فانكسرت رجلها، أو انقلبت فأصابتها الشفرة في عينها فاعورت؛ أجزأته، لأن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه؛ لأن الشاة تضطرب عادة فتلحقها العيوب من اضطرابها.
اشتريتُ أُضْحِيَّة، واكتشفت أن بها عيبًا، فقمتُ ببيعها، وصرفتُ الثمن دون أن أُخرِج منه صدقة. فما رأي الدين؟
الرأي المختار في الفتوى وهو ما عليه الجمهور من كون الأضحية سنةً مؤكدةً وليست واجبةً، وعليه فلا شيء عليك ما دمتَ لم تكن قد نذرتَ الأضحية، فإن كنتَ قد نذرتَ الأضحية فعليك أن تأتي بضحية أخرى وتضحي بها مكان التي قمتَ ببيعها.
ما الأفضل في الأُضْحِيَّة من أنواع الأنعام؟اختلف الفقهاء في الأفضل في الأُضْحِيَّة من أنواع الأنعام على ثلاثة أقوال: القول الأول: أفضل الأضاحي هي البدنة ثم البقرة ثم الشاة، وهذا قول الشافعية والحنابلة والظاهرية، وبه قال بعض المالكية. قال الإمام الشافعي في " (2/ 246): [والإبل أحب إلي أن يضحي بها من البقر، والبقر أحب إلي أن يضحي بها من الغنم، وكل ما غلا من الغنم كان أحب إلي مما رخص، وكل ما طاب لحمه كان أحب إلي مما يخبث لحمه، والضأن أحب إلي من المعز]. القول الثاني: أفضل الأضاحي هي الضأن ثم البقر ثم الإبل، وهذا قول المالكية المعتمد عندهم.
قال الخرشي: الضأن بإطلاقه: ذكوره وإناثه وفحوله وخصيانه، أفضل في الأُضْحِيَّة من المعز بإطلاقه، ثم إن المعز بإطلاقه أفضل من الإبل ومن البقر بإطلاقهما. (شرح الخرشي 3/ 38، الذخيرة 4/ 143).
القول الثالث: أفضل الأضاحي ما كان أكثر لحمًا وأطيب، وهذا قول الحنفية، فالشاة أفضل من سبع البقرة، فإن كان سبع البقرة أكثر لحما فهو أفضل.
والقول الراجح في هذه المسألة هو قول المالكية في أن الأفضل في الأُضْحِيَّة الغنم ثم الإبل ثم البقر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي بالكباش من الغنم، وثبت ذلك في أحاديث منها: -عن أنس بن مالك رضي الله عنه – قَالَ: ((كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُضَحِّى بِكَبْشَيْنِ وَأَنَا أُضَحِّى بِكَبْشَيْنِ)) أخرجه البخاري في صحيحه.
كيف توزع الأُضْحِيَّة؟ وهل الأحشاء توزع وكذا الرأس؟يستحب تقسيم الأُضْحِيَّة إلى ثلاثة أثلاث، يأكل ثلثها، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها، فلو أكل أكثر من الثلث فلا حرج عليه، وإن تصدق بأكثر من الثلث فلا حرج عليه، لأن تقسيمها على الاستحباب لا على الوجوب؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: «الضحايا والهدايا: ثلث لك، وثلث لأهلك، وثلث للمساكين» أخرجه ابن حزم في "المحلى" (7/270، 271-ط/ المنيرية).
وأما ما يقسم من الأُضْحِيَّة فهو اللحم؛ لأنه المقصود الأعظم، وهو الذي يعود نفعه على الفقراء والمحتاجين، وأما أحشاؤها من كبد وغيره فإن يستحب تقسيمه وإن لم يقسمه فلا حرج في ذلك، والرأس لا تقسم بل تكون لصاحب الأُضْحِيَّة، ولا يبيعها ولا يعطيها للقصاب (الجزار) مقابل أجره أو كجزء منه.
وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أُضْحِيَّة النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث ، ويتصدق على السُّؤَّال بالثلث)) رواه أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وحسنه كما في المغني (11 / 109).
ما حكم إعطاء غير المسلم من الأُضْحِيَّة؟
يجوز ذلك، لأن السنة للمضحي أن يأكل ويتصدق ويهدي منها، واستحب كثير من العلماء أن يقسمها أثلاثاً: ثلثاً للادخار والأكل، وثلثاً للصدقة، وثلثاً للإهداء.
ولا بأس بإعطاء غير المسلمين منها لفقره أو قرابته أو جواره أو تأليف قلبه؛ لقوله صلي الله عليه وسلم في حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق المتفق عليه: ((صِلي أمك))، ومن المعلوم أن أم أسماء كانت من كفار قريش الوثنيين، وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه: ((في كل كبد رطبة أجر)).
ما حكم الشرع في تجميع جلود الأضاحي ثم بيعها في مزاد؟
جمع جلود الأُضْحِيَّة من أصحاب الأضاحي صدقة منهم وتبرعا للأغراض المذكورة جائز، والممنوع عند الأكثرين إنما هو أن يبيع صاحب الأُضْحِيَّة شيئا منها لينتفع هو بثمنه؛ فعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: ((أمرني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لاَ أُعْطِىَ الْجَزَّارَ مِنْهَا، قَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا )) أخرجه مسلم في صحيحه.
وأما أن يتصدق المضحي بجلد أضحيته أو بشيء منها في الأغراض المذكورة فتباع ويُصرَف ثمنُها في ذلك فهو جائز.
هل يجوز الاستبدال في لحوم الأضاحي بعد ذبحها؟
قيام الجهات الخيرية ذات الشخصية الاعتبارية باستبدال لحوم الأضاحي بعد ذبحها لمصلحة الفقراء لا مانع منه شرعًا؛ بل هو سعي محمود في جلب المصالح، مثابٌ عليه مِن قِبَل الشرع؛ لأن الجهات الخيرية شخصية اعتبارية تقوم ببعض مهام الخير التي كان يقوم بها بيت المال؛ من إطعام الطعام، ورعاية الفقراء والمساكين، ومثل هذه الشخصية الاعتبارية العامة كما أن لها أن تقبل وكالة الناس لها بشراء الأضاحي، فلها أيضًا أن تتصرف في هذه الأضاحي -كالوكيل عن الفقراء والمحتاجين- بما هو أنفع لهم، وأكثر زيادة لنسبة استفادتهم، وذلك كله من عمل الخير الذي يثاب عليه البنك شرعًا؛ حيث إنه مِلْكٌ للأمة، ووظيفته النظر في تحقيق المصلحة العامة التي تعود بالفائدة على عموم الناس.
وما جاء في السنة النبوية الشريفة من النهي عن بيع لحوم الأضاحي فالمعنى فيه: أن الأُضْحِيَّة قد أخرجها صاحبها خالصة لله تعالى، فلا يجوز أن يعود إلى مالكها منها شيء، فإذا باع المضحِّي شيئًا من أضحيته فكأنه رجع فيها على قدر ما استرده من ثمنها، وهذا لا يحل.
وهذا غير متصور هنا؛ فإن مثل دار الأورمان وبنك الطعام هي مؤسسات تسعى للمصلحة في توزيع اللحوم على الناس؛ بزيادة نصيب الفقراء والمحتاجين منها، وزيادة أعداد المستفيدين منهم، وليست هي شخصية طبعية حتى يُتَصَوَّر في حقها أن تستفيد لخاصة نفسها من ذلك استفادةَ المُتَمَوِّل المُتَأَثِّل، وحينئذٍ فلا يدخل تصرفها في النهي الشرعي عن بيع لحوم الأضاحي.
وأجاز الحنفية تصرف المضحي في أضحيته بعد ذبحها بالبيع إذا كان ذلك على جهة القُربة؛ جاء في "الفتاوى الهندية" في فقه الحنفية (5/372، ط. دار الكتب العلمية): [ولو باعها بالدراهم ليتصدق بها جاز؛ لأنه قربة كالتصدق. كذا في "التبيين"، وهكذا في "الهداية" و"الكافي". ولو اشترى بلحم الأُضْحِيَّة جرابًا لا يجوز، ولو اشترى بلحمها حبوبًا جاز، ولو اشترى بلحمها لحمًا جاز. قالوا: والأصح في هذا: أنه يجوز بيع المأكول بالمأكول، وغير المأكول بغير المأكول، ولا يجوز بيع غير المأكول بالمأكول، ولا بيع المأكول بغير المأكول.
وحتى على قول الجمهور المانعين لذلك فإنهم أجازوا للفقير والمحتاج أن يتصرف فيما أخذه من الأُضْحِيَّة كما يشاء. وبنك الطعام مثلًا قد وكّله ولي الأمر للنظر في إطعام الفقراء وتوزيع الأضاحي عليهم، فتصرفه فيها منوط بالمصلحة؛ فصار كالوكيل عن الفقراء بِمَا فيه مصلحتُهم؛ بيعًا واستبدالًا وتوزيعًا.
وأما استبدال اللحوم بعضها ببعض مباشرة من غير توسط ثمن فلا مانع منه في هذه الحالة شرعًا؛ وذلك للمصلحة المذكورة؛ وذلك أخذًا بأحد القولين عند الشافعية بجواز بيع اللحم الطري باللحم الطري ولو مع اتفاق الجنس، وإن لم يكن هو المعتمد عندهم، وقد حكاه أبو العباس بن سُرَيْج قولًا للإمام الشافعي رضي الله عنه وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/274): [وفى بيع اللحم الطري باللحم الطري أيضًا طريقان: (أحدهما) وهو المنصوص: أنه لا يجوز؛ لأنه يُدَّخَرُ يابِسُه، فلم يَجُزْ بيعُ رَطْبِه برَطْبِه؛ كالرُّطَب والعِنَب، (والثاني) وهو قول أبى العباس: أنه على قولين؛ لأن مُعظَمَ منفعته في حال رطوبته؛ فصار كالفواكه] .
كما أن الحنفية نصوا على أنه يجوز للشخصية الاعتبارية -كبيت المال والوقف- أن تستقرض بالفائدة، وهذا يقتضي الجواز في مثل هذه الصورة أيضًا، مع نصهم كذلك على أنه لا ربا بين المسلمين وغيرهم في ديار غير المسلمين؛ فيجوز فيها للمسلم أن يتعامل مع غير المسلمين بالعقود الفاسدة، ما دام ذلك برضا أنفسهم. وبناءً على ذلك فيجوز للجهات الخيرية استبدال اللحوم باللحوم مباشرة من غير توسط عملية بيع نقدي؛ ما دام ذلك محققًا للمصلحة.
ما حكم الذبح قبل العيد؟
الأُضْحِيَّة سنة مؤكدة في حق المسلمين المستطيعين، وتتعين الأُضْحِيَّة بالتعيين، فإذا تلفت الأُضْحِيَّة المعينة قبل العيد بغير تفريط أو تقصير من صاحبها، فليس عليه الإتيان بغيرها، وما فعله السائل من قيامه بذبحها قبل العيد عندما أصابها المرض وأشرفت على الموت، وقيامه بتوزيع لحمها على الفقراء عمل مشروع، إلا أن لحمها هذا لا يعد أُضْحِيَّة بل هو صدقة تصدق بها، والله سبحانه وتعالى يجزيه خيرا؛ لأن الأُضْحِيَّة لا تكون إلا بالذبح بعد صلاة العيد كما هو مقرر شرعا؛ لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].
وعن البراء رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم النحر بعد الصلاة فقال: ((من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم)) أخرجه أبو داود في سننه.
هل يجوز للناذر الأكل من الأُضْحِيَّة المنذورة؟اختلف الفقهاء في المسألة على مذهبين : المذهب الأول: لا يجوز للناذر الأكل من الأُضْحِيَّة المنذورة ويجب عليه التصدق بجميعها على الفقراء، فإن أكل منها شيئاً غرم بدله، وهو مذهب الحنفية والشافعية وقول في مذهب الحنابلة. قال الإمام البجيرمي في" حاشيتة على المنهج (16/ 60): [وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَةُ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهَا].
وقال الزيلعي في " تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (16/ 311): [وَإِنْ وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ فَلَيْسَ لصاحبها أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَلَا أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ النَّاذِرُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ ، وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ ، وَلَا أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ]. المذهب الثاني : يجوز الأكل من الأُضْحِيَّة المنذورة، وهو مذهب المالكية والحنابلة في القول المعتمد عندهم وقول في المذهب الشافعي.
قال ابن قدامة في "المغني" (9/ 444): [وَإِنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ ذَبَحَهَا، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ مَنَعَ الْأَكْلَ مِنْهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَبَنَاهُ عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ. وَلَنَا: أَنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَالْمَعْهُودُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ذَبْحُهَا وَالْأَكْلُ مِنْهَا، وَالنَّذْرُ لَا يُغَيِّرُ مِنْ صِفَةِ الْمَنْذُورِ إلَّا الْإِيجَابَ، وَفَارَقَ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ؛ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ، فَالْمَنْذُورُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ]. والمفتي به عدم جواز الأكل من الذبيحة المنذورة.
هل يجوز الادخار من لحم الأُضْحِيَّة؟ يجوز ادخار لحوم الأضاحي عند جمهور الفقهاء، واستدل الجمهور على الجواز بما رواه عَبْد اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاَثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ)) أخرجه مسلم في صحيحه.
إذا نوى الحاج حج التمتع فهل عليه أن يذبح في مكة أضحيته؟يلزم الحاجَّ المتمتعَ والقارنَ هديٌ يُعطى لفقراء الحرم، فإن لم يجد صام عشرة أيام، ثلاثة منها في الحج وسبعة ببلده بعد الرجوع، قال تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة: 196].
والأُضْحِيَّة سنة، فإذا حج الإنسان متمتعا أو قارنا وأراد أن يضحي في مكة؛ جاز، أو أوكل من يضحي عنه في بلده جاز ذلك أيضا، قال الإمام النووي في " المجموع"(8 / 383): [قال الشافعية: الأُضْحِيَّة سنة على كل من وجد السبيل من المسلمين من أهل المدائن والقرى ، وأهل السفر والحضر والحاج بمنى وغيرهم، من كان معه هدى ومن لم يكن معه هدي].
ما حكم شراء الأُضْحِيَّة بالوزن؟الأصل هو أن الحيوانات الحية من أغنام وأبقار ونحو ذلك لا تحتاج في بيعها إلى وزن، وإنما تباع برؤيتها إذا كانت موجودة، أو بأوصافها التي تميز بعضها عن بعض، بحيث تنتفي الجهالة والغرر، وأما بيعها بالوزن كما ورد في السؤال فجائز ولا حرج فيه.
هل على المسلم أن يضحي كل عام أم تكفيه مرة واحدة؟الأُضْحِيَّة سنة مؤكدة كل عام ولا يجزئ عام عما بعده، لأنها تتكرر بتكرر وقتها كالصلاة، وعَنْ عَامِرٍ أَبِى رَمْلَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ وَنَحْنُ وُقُوفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ قَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ في كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً)) أخرجه الترمذي في سننه، وقال: حديث حسن.
وللأضحية شروط ومواصفات معينة يجب أن تتحقق فيها لتكون مجزئة.. دار الإفتاء المصرية أجابت عن 63 سؤالاً عن الأضحية تشغل الأذهان.
ما الأُضْحِيَّة؟
الأُضْحِيَّة هي :اسمٌ لما يُذكى تقربا إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة، والتذكية: هي السبب الموصل لحِلِّ أكل الحيوان البري اختيارا، فتشمل الذبح والنحر، بل تشمل العقر أيضاً، كما لو شرد ثورٌ أو بعير فطُعِنَ برمح أو نحوه مع التسمية ونية الأُضْحِيَّة. وقيل: هي السبيل الشرعية لبقاء طهارة الحيوان وحل أكله إن كان مأكولا ، وحل الانتفاع بجلده وشعره إن كان غير مأكول.
والأُضْحِيَّة في لغة العرب فيها أربع لغات: إضْحِيَّةٌ، وأُضْحِيَّةٌ والجمع أضاحي، وضَحِيَّةٌ على فعيلة والجمع ضحايا، وأَضْحَاةٌ والجمع أضحىً كما يقال: أرطاةٌ وأرْطىً. وبه سمي عيد الأضحى، أي الضحايا، وسميت الأضحية بذلك؛ لأنها تفعل في وقت الضحى، والذى يبدأ من بعد شروق شمس يوم النحر (العاشر من ذي الحجة). وليس من الأُضْحِيَّة ما يلى: ما يذكى استحبابا بنية العقيقة عن المولود. ما يُذَكَّى بنية الهدي، سواء كان ذلك استحبابا للمفرِد، أو وجوبا للمتمتع والقارن. ما يُذَكَّى وجوبا لترك واجب أو فعل محظور في نسك الحج أو العمرة.
ما الدليل على مشروعيتها؟
الأُضْحِيَّة مشروعة بالكتاب والسنة القولية والفعلية، والإجماع: أما الكتاب فقد قال تعالى: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» [سورة الكوثر]. وقال القرطبي في " تفسيره" (20/ 218): [أَيْ: أَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْكَ، كَذَا رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ» صَلَاةَ الْعِيدِ وَيَوْمَ النَّحْرِ، «وَانْحَرْ» نُسُكَكَ. وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْحَرُ ثُمَّ يُصَلِّي، فَأُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَنْحَر]. وقال ابن كثير في " تفسيره"(8/ 503):[قال تعالى: «قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» [الأنعام: 162 ، 163] قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن: يعني بذلك نحر البُدْن ونحوها].
وأما السنة فقد روي في الباب العديد من الأحاديث الفعلية التي تبين فعله صلى الله عليه وسلم لها، كما رُويت أحاديث أخرى قولية في بيان فضلها والترغيب فيها والتنفير من تركها. وأما السنة النبوية الفعلية، فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي، وكان يتولى ذبح أضحيته بنفسه - صلى الله عليه وسلم- فمن ذلك: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ((ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا)) متفق عليه.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوَادٍ وَيَبْرُكُ في سَوَادٍ وَيَنْظُرُ في سَوَادٍ، فَأُتِىَ بِهِ؛ لِيُضَحِّىَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا : ((يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّى الْمُدْيَةَ ))، ثُمَّ قَالَ: ((اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ)) فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: ((بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ))، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ)). أخرجه مسلم في صحيحه.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّى)) أخرجه الترمذي في سننه، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وأما السنة النبوية القولية، فقد وردت أحاديث كثيرة في الأُضْحِيَّة، منها: عن البراء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء)) متفق عليه.
وعَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه : ((قَالَ خَطَبَنَا النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: ((إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ في يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّىَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ في شَىْءٍ )) . فَقَامَ خَالِى أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّىَ وَعِنْدِى جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ . قَالَ : ((اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِىَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك)) أخرجه مسلم في صحيحه.
وعن جُنْدَب بْن سُفْيَانَ رضي الله عنه : ((قَالَ شَهِدْتُ الأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعْدُ أَنْ صَلَّى وَفَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ سَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَرَى لَحْمَ أَضَاحِىَّ قَدْ ذُبِحَتْ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ فَقَالَ : ((مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ - أَوْ نُصَلِّىَ - فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ )). أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ له. وأجمع المسلمون على مشروعية الأُضْحِيَّة.
ما حكمة مشروعية الأُضْحِيَّة؟ الأُضْحِيَّة شرعت لِحِكَم كثيرة منها: أولاً: شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه المتعددة، فالله سبحانه وتعالى قد أنعم على الإنسان بنعمٍ كثيرةٍ لا تُعَدُ ولا تُحصى، كنعمة البقاء من عام لعام آخر. ونعمة الإيمان، ونعمة السمع والبصر والمال؛ فهذه النعم وغيرها تستوجب الشكر للمُنعم سبحانه وتعالى، والأُضْحِيَّة صورةٌ من صور الشكر لله سبحانه وتعالى، حيث يتقرب العبد فيها إلى ربه بإراقة دم الأُضْحِيَّة؛ امتثالا لأمره سبحانه وتعالى، حيث قال جلَّ جلاله: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [الكوثر: 1-3].
ثانياً: إحياء سنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين أمره الله عز وجل بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام في يوم النحر، وأن يتذكر المؤمن أن صبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وإيثارهما طاعة الله ومحبته على محبة النفس والولد كان ذلك كله هو سبب الفداء ورفع البلاء ، فإذا تذكر المؤمن ذلك اقتدى بهما في الصبر على طاعة الله وتقديم محبته عز وجل على هوى النفس وشهوتها.
ثالثا: التوسعة على النفس وأهل البيت، وإكرام الجيران والأقارب والأصدقاء، والتصدق على الفقراء. وقد مضت السنة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم في التوسعة على الأهل وإكرام الجيران والتصدق على الفقراء يوم الأضحى. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ)). فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ - وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ فَكَأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَذَرَهُ - وَعِنْدِى جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فَلاَ أَدْرِى بَلَغَتِ الرُّخْصَةُ أَمْ لاَ ، ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ - يَعْنِى فَذَبَحَهُمَا - ثُمَّ انْكَفَأَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَذَبَحُوهَا)) أخرجه البخاري في صحيحه.
متي شرعت الأُضْحِيَّة؟شرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وهي السنة التي شرعت فيها صلاة العيدين وزكاة المال.
وما حكمها؟
اختلف الفقهاء في حكم الأُضْحِيَّة على مذهبين: المذهب الأول: الأُضْحِيَّةُ سنةٌ مؤكدةٌ في حق الموسر، وهذا قول جمهور الفقهاء الشافعية والحنابلة، وهو أرجح القولين عند مالك، وإحدى روايتين عن أبي يوسف، وهذا قول أبي بكر وعمر وبلال وأبي مسعود البدري وسويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر، وهو المفتي به في الديار المصرية.
واستدل الجمهور على أن الأضحية سنة مؤكدة بما يلي: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا))، أخرجه مسلم في صحيحه.
ووجه الدلالة في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((وأراد أحدكم)) فجعله مُفَوَّضا إلى إرادته، ولو كانت الأضحية واجبة لاقتصر على قوله: ((فلا يمس من شعره شيئا حتى يضحي)).
وورد أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين؛ مخافة أن يُرَى ذلك واجبا. أخرجه البيهقي في سننه. وهذا الصنيع منهما يدل على أنهما عَلِما من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوجوب، ولم يرو عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.
والمذهب الثاني: أنها واجبة، وذهب إلى ذلك أبو حنيفة، وهو المروي عن محمد وزفر وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وبه قال ربيعة والليث بن سعد والأوزاعي والثوري ومالك في أحد قوليه.
أيهما أفضل الأضحية أم الصدقة؟الأضحية أفضل من الصدقة؛ لأنها واجبة أو سنة مؤكدة، وشعيرة من شعائر الإسلام.
هل يقوم غير الأضحية من الصدقات مقامها؟
لا يقوم غير الأُضْحِيَّة من الصدقات مقامها، حتى لو تصدق إنسان بشاة حية أو بقيمتها في أيام النحر لم يكن ذلك مُغنيا له عن الأُضْحِيَّة، وذلك أنها شعيرة تعلقت بإراقة الدم، والأصل أن الأمر الشرعي إذا تعلق بفعل معين لا يقوم غيره مقامه كالصلاة والصوم، بخلاف الزكاة.
هل تجزئ الأضحية عن العقيقة؟لا تجزئ الأُضْحِيَّة عن العقيقة وهو قول المالكية والشافعية والرواية الأخرى عن الإمام أحمد، وهو المفتى به. وفى كتاب مسائل أحمد بن حنبل (المتوفى: 241هـ) رواية ابنه عبد الله: [قَالَ سَأَلت أبي عَن الْعَقِيقَة يَوْم الأضحى وَهل يجوز أن تكون أضْحِية وعقيقة، قال: لا، إما أُضْحِيَّة، وإما عقيقة على ما سُمى].
وحجة هؤلاء: أن كلاً من الأُضْحِيَّة والعقيقة ذبحان بسببين مختلفين، فلا يقوم واحد منهما عن الاثنين معا، كدم التمتع ودم الفدية. وقالوا أيضا: إن المقصود بالأُضْحِيَّة إراقة الدم في كل منهما، ولا تقوم إراقة واحدة مقام إراقتين. وقد سئل هذا السؤال الشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي فأجاب: " الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَجَرَيْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ سِنِينَ أَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا، وَلَهَا سَبَبٌ يُخَالِفُ سَبَبَ الْأُخْرَى، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأُخْرَى؛ إذْ الْأُضْحِيَّةُ فِدَاءٌ عَنْ النَّفْسِ وَالْعَقِيقَةُ فِدَاءٌ عَنْ الْوَلَدِ؛ إذْ بِهَا نُمُوُّهُ وَصَلَاحُهُ وَرَجَاءُ بِرِّهِ وَشَفَاعَتِهِ".
إذا اجتمعت الأضحية والعقيقة من يكون أولى؟الأُضْحِيَّة والعقيقة سنتان، فإن عجز عن القيام بهما معا لفقر ونحوه قدَّم الأُضْحِيَّة؛ لضيق وقتها واتساع وقت العقيقة.
ما يتعلق بالمضحي والذابح
هل يجب على المضحي أن ينوى الأُضْحِيَّة؟يشترط نية الأضحية، لأن الذبح قد يكون لقصد الحصول على اللحم فحسب، وقد يكون تقربًا لله تعالى، والفعل لا يقع قربة إلا بالنية، فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضى الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))، أخرجه البخاري في صحيحه.
والمراد بالأعمال: القربات، ثم إن القربات من الذبائح أنواع كثيرة، كهَدِي التمتع والقِران والإحصار وجزاء الصيد وكفارة الحلف وغير ذلك مما يترتب على ارتكاب محظورات الحج والعمرة، فلا تتعين الأُضْحِيَّة من بين هذه القربات إلا بنية الأضحية، ومن ثَمَّ وجبت النية؛ لتحديد أي قربة يريد الذابح بما يذبحه، هل يريد الأضحية أم الهدي أم جزاء الصيد أم ... إلخ، وتكفي النية بالقلب دون التلفظ بها كما في الصلاة، لأن النية عمل القلب، والذكر باللسان دليل على ما فيه.
متى يطلق المضحي النية؟يشترط أن تكون النية مقارنة للذبح أو مقارنة لتعيين الذبيحة للتضحية، والذى يكون سابقا على الذبح عادة، سواء أكان هذا التعيين بشراء الشاة أم بإفرازها وتجنيبها عما يملكه من شياه أو بقر أو حيوانات أخرى، وسواء أكان ذلك للتطوع أم لنذر في الذمة، ومثله الجعل؛ كأن يقول: جعلت هذه الشاة أُضْحِيَّة، فالنية في هذا كله تكفي عن النية عند الذبح، وهذا عند الشافعية، وأما الحنفية والمالكية والحنابلة فتكفي عندهم النية السابقة عند الشراء أو التعيين.
هل يجوز ذبح الهدي أثناء الحج بنيتين؟
لا يجوز ذبح الهدي في أثناء الحج بنية الأُضْحِيَّة مع الهدي؛ لأن سبب مشروعية كل منهما مختلف ولا يقبل التداخل، فالأُضْحِيَّة مشروعة لشكر الله تعالى على سبيل الندب، أما ما يذبح في الحج فقد يكون واجبا كهدي التمتع، وهو واجب بسبب ترك الإحرام بالحج من الميقات؛ لأن المحرم يحرم لحجه من مكة، وكهدي القِران، وهو للجمع بين الحج والعمرة في سَفرة واحدة، وهو واجب أيضًا، وكالذبح لترك واجب من واجبات الحج، أو كفارة عن فعل محظور من ممنوعات الحج، وكلاهما واجب، وقد يكون ما يذبح في الحج قربة وليس بواجب كمن يهدي تطوعا لفقراء الحرم، وكل هذا مخالف للغرض من الأُضْحِيَّة.
نذرت أن أذبح عجلا، فهل يجوز أن أجمع بينه وبين الأُضْحِيَّة؟
الأصل في النذر أن يؤدي كما نذر، ولا يجوز لك الجمع بين الأُضْحِيَّة والنذر في هذه الذبيحة، فهذه الذبيحة تقع عن النذر. وإذا أردت الأضحية فعليك بذبيحة أخرى عنها.
هل يجب أن يذبح المضحي ذبيحته بنفسه؟
يستحب أن يذبحها بنفسه إن قدر على الذبح؛ لأنه قربة، ومباشرة القربة أفضل من تفويض إنسان آخر فيها، فإن لم يحسن الذبح فالأولى توليته مسلما يحسنه، ويستحب في هذه الحالة أن يشهد الأُضْحِيَّة، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ((يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فأشهديها)) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين.
ما حكم النيابة عن الأُضْحِيَّة؟اتفق الفقهاء على أنه تصح النيابة في ذبح الأُضْحِيَّة. فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((يَا فَاطِمَةُ قَوْمِي إِلَى أُضْحِيَّتِكَ فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ وَقُولِي: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ عِمْرَانُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكِ خَاصَّةً - فَأَهْلُ ذَاكَ أَنْتُمْ - أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: ((لَا بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً)) ، أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فهذا الحديث يفيد جواز النيابة ، لأن فيه إقرارا على حكم النيابة.
هل يجب أن يكون الذابح مالكا للأُضْحِيَّة؟يشترط أن تكون الذبيحة مملوكة للمضحي، أو مأذونا له من صاحبها في الأضحية بها صراحة أو دلالة ، فإن لم تكن كذلك لم تجزئ الأضحية بها ، لأنه ليس مالكا لها ولا نائبا عن مالكها، لأنه لم يأذن له في ذبحها عنه، والأصل فيما يعمله الإنسان أن يقع للعامل، ولا يقع لغيره إلا بإذنه.
ما حكم إنابة غير المسلم في ذبح الأُضْحِيَّة؟
ذهب الجمهور إلى صحة الأضحية مع الكراهة إذا كان النائب كتابيا من أهل الكتاب؛ لأنه من أهل الذكاة.
هل صك الأُضْحِيَّة مشروع؟
الصك نوع من أنواع الوكالة، وهي جائزة في النيابة في ذبح الأُضْحِيَّة وتوزيعها، ويجب على الوكيل أن يراعي الشروط الشرعية في الأُضْحِيَّة: من سِنِّها وسلامتها من العيوب، وذبحها في وقت الذبح، وتوزيعها على من يستحقها.
ما حكم الاقتراض من أجل الأُضْحِيَّة؟
الأُضْحِيَّة سنة لمن تكون لديه القدرة عليها، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، فمن كان غير واجد للمال الذي يكفي لشراء الأُضْحِيَّة فاشترى أضحيته بالثمن المقسط أو المؤجل لأجل معلوم وضحَّى بها؛ أجزأه ذلك.
هل يجوز للمضحى أن يدفع ثمن الأُضْحِيَّة من مال الزكاة؟
الجواب : لا يجوز ذلك؛ فالزكاة لها مصارفها المحددة وتعطى بنية الزكاة، أما الأُضْحِيَّة فتعطى بنية الأُضْحِيَّة، والأُضْحِيَّة يأكل منها الغني والفقير والمستحق للزكاة وغير المستحق لها. بخلاف الزكاة فلا ينبغي دفعها إلا لمن يستحقها من مصارفها.
هل يحرم على المضحي الأخذ من شعره وأظافره؟عَنْ أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا رأيتم هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وأراد أحدكم أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعرِهِ وأظفاره)) أخرجه مسلم في صحيحه. وفي رواية :((فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا)).
وجمهور العلماء علي أن الأمر بالإمساك عن الشعر والأظافر في هذا الحديث محمول علي الندب والاستحباب لا علي الحتم والإيجاب، بمعني أن من أراد أن يضحي فإنه يكره له الأخذ من شعره وأظفاره، وكذلك سائر جسده، فإن فعل لا يكون آثما، إنما تاركا للفضيلة فحسب. وذلك من ليلة اليوم الأول من ذي الحجة إلى الفراغ من ذبح الأُضْحِيَّة.
ما يستحب للمضحى فعله بالذبيحة قبل الأضحية؟يستحب قبل الأضحية أمور : أن يُظهِر (يربطها في مكان ظاهر) المضحي الأُضْحِيَّةَ قبل يوم النحر بأيام إن تيسر له ذلك، وعلى ألا يضر غيره، لما فيه من الاستعداد للقربة وإظهار الرغبة فيها ، فيكون له فيه أجر وثواب.
وأن يقلدها ويجللها؛ قياسا على الهدي، لأن ذلك يشعر بتعظيمها، قال تعالى: «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» [الحج: 32]. والتقليد: تعليق شيء في عنق الحيوان؛ ليعلم أنه هدي أو أُضْحِيَّة. والتجليل: إلباس الدابة الجُلّ -بضم الجيم، ويجوز فتحها مع تشديد اللام-، وهو ما تغطى به الدابة لصيانتها.
وأن يسوقها إلى مكان الذبح سوقا جميلا لا عنيفا، ولا يجر برجلها إليه، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شيء فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)) أخرجه البخاري في صحيحه.، كما يستحب عرض الماء على الذبيحة قبل الذبح.
ما حكم الجماع للمضحي؟يجوز لمن أراد أن يضحي أن يجامع زوجته في العشر من ذي الحجة ما لم يكن هناك مانع شرعي كالحيض والنفاس.
هل هناك دعاء يقوله المضحي عند ذبح الأُضْحِيَّة؟يستحب أن يدعو فيقول: اللهم منك وإليك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عِيدٍ بِكَبْشَيْنِ فَقَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: ((إني وَجَّهْتُ وَجْهِيَ للذي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صلاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ)). أخرجه أحمد في مسنده.
ويستحب بعد التسمية التكبير ثلاثا والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدعاء بالقبول.
ما الذي يستحب للمضحي بعد الأضحية؟يستحب للمضحي بعد الذبح أمور منها ما يلي: 1- أن ينتظر حتى تسكن جميع أعضاء الذبيحة فلا ينخَع -أي : يتجاوز محل الذبح إلى النخاع، وهو الخيط الأبيض الذي في داخل العظم، ولا يسلخ قبل زوال الحياة عن جميع جسدها.
وأن يأكل منها ويطعم ويدخر؛ لقوله تعالى: «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» [الحج: 27، 28]، وقال تعالى أيضا: «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: 36]، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا ضَحَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ)) أخرجه أحمد في مسنده.
المسافر يضحي في بلد سفره أم يوكل من ينوب عنه ليذبح في بلده الأصلي؟
إذا سافر رب الأسرة للعمل في بلد ما فله أن يذبح في بلد عمله، وله أن ينيب من يذبح عنه الأُضْحِيَّة في بلده الأصلي، فذبحه في بلد عمله النظر فيه لكونه القائم بالسنة والمتصدق ببعضها، والذبح في بلده الأصلي النظر فيه لكون الأُضْحِيَّة عن نفسه وعن أسرته وعمن ينفق عليهم.
ما حكم الأضحية عن الميت؟
إذا أوصى الميت بالأضحية عنه، أو وقف وقفا لذلك جاز بالاتفاق، فإن كانت واجبة بالنذر وغيره وجب على الوارث إنفاذ ذلك، و أما إذا لم يوص بها فأراد الوارث أو غيره أن يضحي عنه من مال نفسه، فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز الأضحية عنه، وقال الشافعية: إن الذبح عن الميت لا يجوز بغير وصية أو وقف.
هل تجزئ الأُضْحِيَّة عن صاحبها وأهل بيته أم عن صاحبها فقط؟
تجزئ الأُضْحِيَّة عن صاحبها وعن أهل بيته الذين ينفق عليهم، فالشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت الواحد، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت، تأدى الشعار والسنة عن جميعهم، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي.
فعنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ. فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحّيَ بِهِ. فَقَالَ لَهَا: "يَا عَائِشَةُ هَلُمّي الْمُدْيَةَ". ثُمّ قَالَ "اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ" فَفَعَلَتْ. ثُمّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ. ثُمّ ذَبَحَهُ. ثُمّ قَالَ "بِاسْمِ اللّهِ. اللّهُمّ تَقَبّلْ مِنْ مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ. وَمِنْ أُمّةِ مُحَمّدٍ" ثُمّ ضَحّىَ به)) أخرجه مسلم في صحيحه.
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا فِيكُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيّ ِصلى الله عليه وسلم، يُضَحِّى بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَ كَمَا تَرَى)) أخرجه مالك وابن ماجه والترمذي وصححه.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ رضي الله عنه وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : ((هُوَ صَغِيرٌ)) فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ)) أخرجه البخاري في صحيحه.
هل يجوز الاشتراك في الأُضْحِيَّة؟لا يجوز الاشتراك في الشاة والماعز؛ لأن الواحدة منها لا تجزئ إلا عن أُضْحِيَّة واحدة، ويجوز الاشتراك في الأُضْحِيَّة إذا كانت الذبيحة من الإبل أو البقر، لأن السبع الواحد منها يجزئ عن أُضْحِيَّة، فيمكن لسبعة أفراد مختلفين أن يتشاركوا في بدنة أو بقرة.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ((نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ)) أخرجه مسلم في صحيحه.
رجل متزوج ويعيش في بيت مستقل، فهل يجوز أن يشترك هو ووالده في شاة واحدة؟
لا يجوز ذلك، والأضحية سنة وليست واجبة على المفتى به، ويجوز الاشتراك في الأضحية إذا كان المشارك معدودا من أهل المضحِّى الذين يقوم المضحِّى بالإنفاق عليهم -ولو تبرعاً- فإذا تحقق ذلك جاز لهم الاشتراك في الأضحية ولو شاة، فإذا تخلف شرط من الشروط الثلاثة التي هي: القرابة والمساكنة والإنفاق امتنع الاشتراك في الأضحية، ولا تحقق للسنة إلا بأن يضحى كل منهما بأضحية مستقلة.
رجل مسن، ويقيم مع ابنته في بيت زوجها، فهل تجزئ عنه أُضْحِيَّة واحدة أم لا؟
إذا كان ينفق على نفسه، فلا تجزئ الأضحية عه وعن زوج ابنتك وأسرته، وينبغي لتحقيق السنة أن يضحى كلَّ منكما عن نفسه وأسرته التي ينفق عليها.
اعتاد والدى رحمه الله تعالى أن يضحى كل عام، ويريد أخي أن يستمر في تلك العادة، فهل تجزئ أُضْحِيَّة واحدة عنا جميعا: الأخوة القصر وأسرة أخي، أم لا بد من أضحيتين؟
إذا كان المشارك معدودا من أهل المضحِّى الذين يقوم المضحِّى بالإنفاق عليهم -ولو تبرعا- جاز لهم الاشتراك في كل أضحية ولو شاة. فإذا تخلف شرط من الشروط الثلاثة -التي هي: القرابة والمساكنة والإنفاق- امتنع الاشتراك. وعليه، فإذا كان الأخ صاحب الأضحية ينفق على هؤلاء الأخوة جاز له أن يشركهم معه في أضحيته، وأجزأت عنهم جميعا.
ما حكم اشتراك غير المسلم في الأضحية؟
اشتراك غير المسلم مع المسلم، واشتراك المضحي وغير المضحي في الأضحية التي يجوز فيها الاشتراك -كالبقرة أو الناقة- جائز شرعا، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، قال الإمام النووي عند شرحه أحاديث الباب [شرح مسلم (4/ 455]: [فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة لِجَوَازِ الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي، وَفِي الْمَسْأَلَة خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء، فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ جَوَاز الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي ، سَوَاء كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا ، وَسَوَاء كَانُوا كُلّهمْ مُتَقَرِّبِينَ أَوْ بَعْضهمْ يُرِيد الْقُرْبَة، وَبَعْضهمْ يُرِيد اللَّحْم، وَدَلِيله هَذِهِ الْأَحَادِيث ، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء ، وَقَالَ دَاوُدَ وَبَعْض الْمَالِكِيَّة : يَجُوز الِاشْتِرَاك فِي هَدْي التَّطَوُّع دُون الْوَاجِب، وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز مُطْلَقًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يَجُوز إِنْ كَانُوا كُلّهمْ مُتَقَرِّبِينَ، وَإِلَّا فَلَا]، وقال العلامة البهوتي في "شرح الإقناع" (2/533 ط دار الكتب العلمية): [ويجوز الاشتراك في البدن والبقر (ولو كان بعضهم) أي: الشركاء (ذميا في قياس قوله) أي: الإمام (قاله القاضي) وجزم بمعناه في المنتهى]. وبناء عليه: فيجوز أن يشترك المضحي وغير المضحي، وسواء كان غير المضحي مسلما أو غير مسلم، أو كان غير المضحي يريد قربة أخرى غير الأضحية أو يريد مجرد اللحم أو غير ذلك في الذبيحة التي تقوم عن سبعة كالبدنة والبقرة.
ما الشروط التي يجب توافرها في الذابح؟
يشترط في الذابح أن يكون: عاقلا ومسلما أو كتابيا وألا يذبح لغير اسم الله تعالى.
هل يجوز إعطاء الجزار جلد الأُضْحِيَّة؟لا يجوز أن يعطى الجزار شيئا من الأضحية –كجلدها- مقابل أجره، كما لا يجوز بيع شيء من الأضحية. فعَنْ عَلِىٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه قَال: ((أَمَرَني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لاَ أُعْطِي الْجَزَّارَ مِنْهَا، قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا)). أخرجه مسلم في صحيحه، وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وليس فيها أجر الجازر)).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ))، أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: هذا الحديث صحيح ولم يخرجاه.
فلا يجوز للمسلم أن يعطي الجزار شيئا من الأُضْحِيَّة على سبيل الأجر، ويمكن إعطاؤه على سبيل التفضل والهدية أو الصدقة، أما كأجر له فيحرم ذلك؛ للحديث السابق، ولأن إعطاء الجزار شيئا من الأُضْحِيَّة يشبه البيع من الأُضْحِيَّة، وهو غير جائز، لأنها خرجت كلها لله، فلا يجوز بيع شيء منها، ولا دفع الأجرة منها.
ما يتعلق بالذبح:
ما الذبح، وما كيفيته الصحيحة شرعا؟
يطلق الذبح في اللغة على الشق وهو المعنى الأصلي، ثم استعمل في قطع الحلقوم من مقدم العنق عند المفصل الذى بين العنق والرأس تحت اللحيين (وهما العظمان اللذان يلتقيان في الذقن، وتنبت عليهما الأسنان السفلى) وهذا المفصل يسمى بالنصيل.
وموضع الذبح يكون في الحلق من الشاه والبقرة. وأما تذكية الإبل فتسمى بالنحر ، ويكون في اللبة. وحقيقة الذبح قطع الأوداج كلها أو بعضها في الحلق على حسب اختلاف المذاهب. وبيان ذلك أن الأوداج أربعة وهي: الحلقوم والمريء والعرقان اللذان يحيطان بهما ويسميان (الودجين)، ولا بد من قطع اثنين على الأقل وهما الحلقوم والمريء عند الشافعية والحنابلة، وهو المفتى به، لأن الذبح إزالة الحياة، والحياة لا تبقى بعد قطعهما عادة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا قطع أي ثلاثة من الأوداج أجزأ، وقال المالكية: إذا قطع جميع الحلقوم والودجين حل. ولا بد من الذبح أو النحر حتى يحلَّ أكل الذبيحة.
ما النحر وكيف يكون؟
النحر يكون في الإبل، وحقيقة النحر: وضع آلة النحر في اللبة مع قطع الأوداج، على الخلاف المذكور بين العلماء، وبيان ذلك أن الأوداج أربعة وهي: الحلقوم والمريء والعرقان اللذان يحيطان بهما ويسميان (الودجين)، ولا بد من قطع اثنين على الأقل وهما الحلقوم والمريء عند الشافعية والحنابلة، وهو المفتى به، لأن الذبح إزالة الحياة، والحياة لا تبقى بعد قطعهما عادة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا قطع أي ثلاثة من الأوداج أجزأ، وقال المالكية: إذا قطع جميع الحلقوم والودجين حلَّ.
واللبّة: هي الثغرة بين الترقوتين أسفل العنق، ويستحب في النحر أن تكون الإبل قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى، وكيفية النحر عند المالكية هي أن يوجه الناحر ما يريد نحره للقبلة ويقف بجانب الرجل اليمنى غير المعقولة ممسكا مشفره لأعلى بيده اليسرى ويطعنه في لبته بيده اليمنى مُسَمِّيا.
والدليل على هذا قوله تعالى: «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ» [الحج: 36]. وقال ابن عباس : "معقولة على ثلاثة". أخرجه البيهقي. وكذلك أحاديث، منها عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما: ((أَتَى عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم)) أخرجه مسلم في صحيحه.
هل يشترط في آلة الذبح شروط معينة؟يشترط في آلة الذبح: أن تكون قاطعة: معدنية أو غير معدنية، فعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ)). أخرجه البخاري في صحيحه.
ما مستحبات الذبح؟يستحب في الذبح أشياء معظمها مأخوذ من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شيء فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)) أخرجه مسلم في صحيحه، وعليه فيستحب في ذبح الأُضْحِيَّة ما يلي: أن يكون بآلة حادة كالسكين والسيف الحادين.
والتذفيف في القطع، وهو الإسراع؛ لأن فيه إراحة للذبيحة. واستقبال القبلة من جهة الذابح ومن جهة مذبح الذبيحة؛ لأن القبلة جهة الرغبة إلى طاعة الله تعالى، ولا بد للذابح من جهة، وجهة القبلة هي أشرف الجهات، وكان ابن عمر وغيره يكرهون أكل الذبائح المذبوحة لغير القبلة.
وإحداد الشفرة قبل الذبح مع مراعاة عدم رؤية الحيوان ذلك ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((أَنَّ رَجُلا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ ؟ هَلا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا)). أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وينبغي التنبيه إلى أنه لا تحرم الذبيحة بترك شيء من مستحبات الذبح أو فعل شيء من مكروهاته؛ لأن النهي المستفاد من الحديث ليس لمعنى في المنهي عنه بل لمعنى في غيره، وهو ما يلحق الحيوان من زيادة ألم لا حاجة إليها، فلا يوجب الفساد.
وأن تضجع الذبيحة على شقها الأيسر برفق، والدليل على استحباب الإضجاع في جميع المذبوحات حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ((أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ)) أخرجه مسلم في صحيحه.
قال الشيخ زكريا الأنصاري في أسني المطالب (6/ 496): [يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْحَرَ ( الْبَعِيرُ قَائِمًا عَلَى ثَلَاثٍ ) مِنْ قَوَائِمِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قِيَامًا عَلَى ثَلَاثٍ ( مَعْقُولًا ) فِي الرُّكْبَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَنْ تَكُونَ الْمَعْقُولَةُ الْيُسْرَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهُ قَائِمًا ( فَبَارِكَا وَ ) أَنْ ( يُذْبَحَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ) وَنَحْوُهُمَا كَالْخَيْلِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ بِأَنْ يُقْطَعَ حَلْقُهَا أَعْلَى الْعُنُقِ وَأَنْ تَكُونَ ( مُضْجَعَةً ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الشَّاةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقِيسَ بِهَا الْبَقِيَّةُ ؛ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ ( عَلَى ) جَنْبِهَا ( الْأَيْسَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَار].
فيؤخذ من التعليل أنه إن كان الذابح أعسر فيكون الإضجاع بالعكس على اليمين، وهذا في حق الذبائح التي تحتاج إلى إضجاع، بخلاف الإبل التي تنحر قائمة.
وسوق الذبيحة إلى المذبح برفق، وعرض الماء على الذبيحة قبل ذبحها. وعدم المبالغة في القطع حتى يبلغ الذابح النخاع، أو يُبين رأس الذبيحة حال ذبحها، وكذلك بعد الذبح وقبل أن تبرد، وكذا سلخها قبل أن تبرد؛ لما في ذلك من إيلام لا حاجة إليه، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبيحة أن تفرس)) أخرجه البيهقي في سننه.
قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (3/ 428) :[فِي حَدِيثِ عُمَرَ ((أَنه كَرِه الفَرْسَ فِي الذَّبَائِحِ)) وَفِي رِوَايَةٍ ((نَهى عَنِ الفَرْس فِي الذَّبيحة)) هُوَ كَسْر رَقَبتها قَبْلَ أَنْ تَبْرُد].
وإذا كانت الذبيحة قربة من القربات كالأُضْحِيَّة يكبر الذابح ثلاثا قبل التسمية وثلاثا بعدها، ثم يقول: اللهم هذا منك وإليك فتقبله مني، وكون الذبح باليد اليمنى، وأما الإبل فتختص بالنحر.
ما أول وقت ذبح الأُضْحِيَّة؟يدخل وقت ذبح الأُضْحِيَّة بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الضحى، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي، وهذا قول الشافعية والحنابلة، وبه قال ابن المنذر وداود الظاهري والطبري، وهو المفتى به.
ما آخر وقت ذبح الأُضْحِيَّة؟
ينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهو رابع أيام العيد، إذ إن أيام النحر أربعة: يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة الآتية بعده، فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ)) أخرجه أحمد في مسنده. وقال الإمام الشافعي في "الأم"(2/ 244): [فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق، ثم ضحى أحد، فلا ضحية له].
ما أفضل وقت لذبح الأُضْحِيَّة؟أفضل وقت لذبح الأُضْحِيَّة، هو اليوم الأول، وهو يوم الأضحى بعد فراغ الناس من صلاة العيد، فاليوم الأول أفضل في الذبح من الأيام الثلاثة التالية له، وإنما كان اليوم الأول أفضل لأن الأضحية فيه مسارعة إلى الخير، وقد قال الله تعالى ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، والمقصود المسارعة إلى سبب المغفرة والجنة، وهو العمل الصالح.
هل يجوز ذبح الأُضْحِيَّة في ليالي أيام النحر؟ليلة عيد الأضحى ليست وقتا للتضحية بلا خلاف، وكذلك الليلة المتأخرة من أيام النحر، وإنما الخلاف في الليلتين أو الليالي المتوسطة بين أيام النحر، فالمالكية يقولون : لا تجزئ الأضحية التي تقع في الليلتين المتوسطتين، وهما ليلتا يومي التشريق من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
وقال الحنابلة والشافعية: إن الأضحية في الليالي المتوسطة تجزئ مع الكراهة؛ لأن الذابح قد يخطئ المذبح، وإليه ذهب إسحاق وأبو ثور والجمهور. وهو أصح القولين عند الحنابلة.
واستثنى الشافعية من كراهية الأضحية ليلا ما لو كان ذلك لحاجة، كاشتغاله نهارا بما يمنعه من الأضحية، أو مصلحة كتيسر الفقراء ليلا، أو سهولة حضورهم. وهو المفتى به.
ما حكم ذبح الأضاحي في الشوارع؟العمل المسؤول عنه من السيئات العِظام والجرائم الجِسام؛ لأن فيه إيذاء للناس ، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58]، وفاعل ذلك إنما يتخلق بأخلاق بعيدة عن أخلاق المسلمين، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه)) أخرجه البخاري في صحيحه.
والذابح للأضاحي أو غيرِها في شوارع الناس وطرقهم مع تركه للمخلفات فيها يؤذيهم بدمائها المسفوحة التي هي نجسة بنص الكتاب العزيز، ويعرضهم أيضًا لمخاطر الإصابة بالأمراض المؤذية، وأين هؤلاء من حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الذي رواه أَبو بَرْزَةَ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ: يَا نبي اللَّهِ، علمني شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ . قَالَ :(( اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ)) أخرجه مسلم في صحيحه.
وكما أن إماطة الأذى صدقة، وهي من شعب الإيمان، فإن وضع الأذى في طريق الناس خطيئة، وهو من شعب الفسوق والعصيان؛ وإن ذلك ليجلب الأذى لفاعله في الدنيا والآخرة؛ وبرهان ذلك ما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل)) أخرجه أبو داود في سننه.
فإن هذه الخصال تستجلب لعنَ الناسِ لفاعليها، وما نحن فيه -مِن تقذير شوارع الناس ومرافقهم وتعريضهم للأمراض والأخطار- مثير لغيظ الناس واشمئزازهم وحنقهم على فاعليها ومرتكبيها، فالواجب القيام بهذا الذبح في الأماكن المعدة والمجهزة لمثل ذلك، والواجب الحرص على الناس وعلى ما ينفعهم، والنأي بالنفس عن كل ما يُكَدِّر عيشَهم أو يؤذي مشاعرهم وأبدانهم.
ما يتعلق بالذبيحة:
ما شروط الأُضْحِيَّة؟شروط الأُضْحِيَّة هي: - أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، ومن الغنم: الضأن والمعز. - وأن تبلغ السن المحددة شرعًا، بأن تكون جذعة للضأن، وأن تكون ثنية في غيره، ويتسامح في ذلك لذوات اللحم الوفير. وأن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي العور البيِّن، والمرض البيِّن، والعرج البيِّن، والهزال المزيل للمخ.
وأن تكون ملكًا للمضحي أو مأذونًا له في التضحية بها، وأن يكون الذبح في الوقت المحدد شرعا، ويبدأ من شروق شمس يوم النحر (العاشر من ذي الحجة)، وينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق، وبذلك تكون أيام الذبح أربعة أيام.
وأن يكون الحيوان حيَّا وقت الذبح، وأن يكون زهوق روحه بمحض الذبح، فلو اجتمع الذبح مع سبب آخر للموت يُغَلب المحرِّم على المبيح، فتصير ميتة لا مذكاة. وألا يكون الحيوان صيدًا من صيد الحرم، فلو ذُبح صيد الحرم كان ميتة، سواء كان ذابحه محرما أو حلالا (غير محرم).
هل يجوز أن تكون الأُضْحِيَّة من غير الأنعام؟اتفق الفقهاء على أن الأُضْحِيَّة لا تكون من غير الأنعام، وهي الإبل سواء كانت عربية أو غير ذلك من أصناف الإبل، والبقر والجواميس الأهلية بأنواعها، والغنم: ضأنا كانت أو معزا ، ويجزئ من كل ذلك الذكور والإناث.
فمن ضحَّى بحيوان مأكول غير الأنعام، سواء أكان من الدواب أم الطيور، لم تصح تضحيته به، لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج: 34]. ولأنه لم تنقل التضحية من حيوان غير الأنعام عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه لو ذبح دجاجة أو ديكا بنية الأضحية لم يجزئه.
ما سن الأُضْحِيَّة وقت الذبح؟عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ))، أخرجه مسلم في صحيحه. والمسنة من كل الأنعام هي الثنية فما فوقها. وقال الإمام النووي في" المجموع" (8/ 393): [قال أهل اللغة: المسن: الثني من كل الأنعام فما فوقه]. وإنما تبلغ الأُضْحِيَّة سن الأضحية بأن تكون ثنية أو فوق الثنية من الإبل والبقر والمعز، وجذعة أو فوق الجذعة من الضأن، فلا تجزئ الأضحية بما دون الثنية من غير الضأن، ولا بما دون الجذعة من الضأن.
فأقل ما يجزئ من السن : الجذع من الضأن: وهو ما أتم ستة أشهر. والمسنة من الماعز هي الثني: وهي ما أتم سنة قمرية ودخل في الثانية دخولا بينًا ؛ كأن يمر عليها شهر بعد بلوغ السنة. والمسنة من البقر هي الثني : وهي ما بلغ سنتين قمريتين، والجاموس نوع من البقر. والمسنة من الإبل (الجمال) الثني: وهو ما كان ابن خمس سنين.
هل يجوز تخلف شرط السن في الأُضْحِيَّة؟اشترطت الشريعة للأُضْحِيَّة سنًّا معينة؛ لمَظِنَّةِ أن تكون ناضجة كثيرة اللحم؛ رعاية لمصلحة الفقراء والمساكين، فإذا كانت المستوفية للسن المحدد في نصوص الشرع الشريف هزيلة قليلة اللحم، ووجد من الحيوانات التي لم تستوفِ السن المحددة شرعًا ما هو كثير اللحم كما يحدث في هذا الزمان؛ نتيجة للقيام بعلف الحيوان الصغير بمركزات تزيد من لحمه؛ بحيث إذا وصل إلى السن المحدد هَزُلَ وأخذ في التناقص، خاصةً مع الأساليب العلمية الحديثة لتربية العجول والتي تعتبر وزن النضج هو 350 كجم أو نحوها للعجل، عند سنّ 14-16 شهرًا؛ وهي سن الاستفادة الفضلى من لحمه، بل لا يُبقَى عليه عادةً بعدها إلا لإرادة اللقاح والتناسل لا اللحم، وهو في هذا السن يسمى جذعًا، فلا مانع حينئذ من الأضحية به؛ فإن العلة هي وفرة اللحم وقد تحققت في الحيوان الذي لم يبلغ السن أكثر من تحققها في الذي بلغها، والإسلام قد راعى مصالح العباد وجعل ذلك من مقاصد الشريعة الغراء؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ)) رواه مسلم.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (2/370-371، ط. المنيرية) في حكاية مذاهب العلماء في المسألة: [أجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني, ولا من الضأن إلا الجذع, وأنه يجزئ هذه المذكورات، إلا ما حكاه العبدري وجماعة من أصحابنا عن الزهري أنه قال: لا يجزئ الجذع من الضأن، وعن الأوزاعي: أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن, وحكى صاحب "البيان" عن ابن عمر كالزهري, وعن عطاء كالأوزاعي] .
وعبارة الإمام العمراني في "البيان" (4/440، ط. دار المنهاج): [وقال عطاء والأوزاعي: يجزئ الجذع من جميع الأجناس]. وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (11/100، ط. دار الفكر): [ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، والثني من غيره، وبهذا قال مالك والليث والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال ابن عمر والزهري: لا يجزئ الجذع؛ لأنه لا يجزئ من غير الضأن، فلا يجزئ منه كالحمل، وعن عطاء والأوزاعي: يجزئ الجذع من جميع الأجناس؛ لما روى مجاشع بن سليم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إِنَّ الجَذَعَ يُوفِي مِمَّا يُوفِي مِنْهُ الثَّنِيُّ)) رواه أبو داود والنسائي.
ولنا: أن الجذع من الضأن يجزئ؛ لحديث مجاشع رضي الله عنه وأبي هريرة رضي الله عنه وغيرهما، وعلى أن الجذعة مِن غيرها لا تجزئ: قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن))، وقال أبو بردة بن نيار: عندي جذعة أحب إلي من شاتين، فهل تُجزِئُ عني؟ قال: ((نعم، ولا تجزئ عن أحد بعدك)) متفق عليه، وحديثهم محمول على الجذع من الضأن؛ لما ذكرنا] .
فالأصل عند جماهير العلماء في سن الأُضْحِيَّة في البقر أن تكون من الثَّنِيِّ، وهو ما جاوز عمره سنتين، فإذا وُجدَ كان أفضل، وإذا لم يوجد إلا جَذَع (وهو ما جاوز السنة) وكان عظيمًا وافر اللحم فلا بأس به؛ عملا بمذهب عطاء والأوزاعي، ويندرج في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الْجَذَع يوفي مما يوفي منه الثني))، رواه أبو داود والنسائي من حديث مُجاشع بن مسعود رضي الله عنه، والجذع والثَّنِيّ في كل جنس من هذه الأنعام بحسبه على خلاف بين العلماء في ذلك، والراجح أن الجذع من البقر ما جاوز عمره سنة، والثَّنِيّ منها ما جاوز عمره سنتين، ويقال له: المسن أيضًا، وجواز الأُضْحِيَّة بالجذع من كل حيوان –حتى المعز- هو مذهب الإمامين الفقيهين عطاء والأوزاعي رحمهما الله تعالى كما سبق، ويستدل لهذا المذهب بظاهر حديث أبي داود والنسائي السابق، والذي يدل على أن الأصل الثَّنِيّ، فإذا لم يوجد إلا الجذع فإنه يوفي مما يوفي منه الثَّنِيّ.
وحَمْلُ حديث مجاشع على أنه في الجذع من الضأن غير متعين؛ لأنه لو لم يرد حديث مجاشع لجاز لنا قياس الجذع من البقر والإبل -إذا عسرت المسنة منهما- على الجذع من الضأن إذا عسرت المسنة منه؛ إذ لا فرق بين الأجناس، والأصل فيها جميعا الثني المسن، فإذا لم يوجد وجاز الجذع في أحدها جاز في جميعها، ويكون قيد (من الضأن) الوارد في حديث مسلم: ((لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ)) إنما هو لبيان الواقع في الواقعة نفسها، أو خرج مخرج الغالب؛ لغلبة الضأن ويسره عليهم، والقيود التي لبيان الواقع أو خرجت مخرج الغالب لا مفهوم لها، ولا تقييد بها على ما هو مقرر في أصول الفقه. وحديث مسلم تأوله الجمهور –على ما نقله عنهم العلامة ابن حجر الشافعي في "تحفة المحتاج" (9/349)- بحمله على الندب؛ أي: يُسَنُّ لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن.
وفي "نيل الأوطار" شارحا للحديث نفسه: [قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع ولا يجزئ إلا إذا عسر على المضحي وجود المسنة. وقد قال ابن عمر والزهري: إنه لا يجزئ الجذع من الضأن ولا من غيره مطلقًا. قال النووي: ومذهب العلماء كافة أنه يجزئ سواء وجد غيره أم لا، وحملوا هذا الحديث على الاستحباب، والأفضل, تقديره: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن].
وعليه فيجوز ذبح الصغيرة التي لم تبلغ السن إن كانت عظيمة بحيث لو خلط بالثنايا لاشتبه على الناظرين من بعيد، حيث إن وفرة اللحم في الذبيحة هي المقصد الشرعي من تحديد هذا السن، فلو حصلت وفرة اللحم أغنت عن شرط السن، وهو المفتى به.
هل هناك من العيوب ما يمنع ذبح الأُضْحِيَّة؟يشترط في الأُضْحِيَّة سلامتها من العيوب الفاحشة، وهي العيوب التي من شأنها أن تنقص الشحم أو اللحم إلا ما استثني، وبناء على هذا الشرط لا تجزئ الأضحية بما يأتي: العمياء العوراء البيِّن عورها، وهي التي ذهب بصر إحدى عينيها، وفسرها الحنابلة بأنها التي انخسفت عينها وذهبت، لأنها عضو مستطاب، فلو لم تذهب العين أجزأت عندهم، وإن كان على عينها بياض يمنع الإبصار. ومقطوعة اللسان بالكلية. وما ذهب من لسانها مقدار كثير، وقال الشافعية : يضر قطع بعض اللسان ولو قليلا.
والجدعاء وهي مقطوعة الأنف، ومقطوعة الأذنين أو إحداهما، وكذا السكاء وهي: فاقدة الأذنين أو إحداهما خلقة، وخالف الحنابلة في السكاء، وما ذهب بعض الأذن مطلقا، والعرجاء البيِّن عرجها، وهي التي لا تقدر أن تمشي برجلها إلى المنسك – أي المذبح - وفسرها المالكية والشافعية بالتي لا تسير بسير صواحبها، والجذماء وهي: مقطوعة اليد أو الرجل، وكذا فاقدة إحداهما خلقة.
والجذاء وهي: التي قطعت رءوس ضروعها أو يبست. وقال الشافعية : يضر قطع بعض الضرع، ولو قليلا، ومقطوعة الإلية، وكذا فاقدتها خلقة، وخالف الشافعية فقالوا بإجزاء فاقدة الإلية خلقة، بخلاف مقطوعتها.
وما ذهب من إليتها مقدار كثير، ومقطوعة الذنَب، وكذا فاقدته خلقة، وهي المسماة بالبتراء،و ما ذهب من ذنَبها مقدار كثير، والمريضة البين مرضها، أي التي يظهر مرضها لمن يراها، والعجفاء التي لا تنقي، وهي المهزولة التي ذهب نقيها، وهو المخ الذي في داخل العظام، فإنها لا تجزئ، لأن تمام الخلقة أمر ظاهر، فإذا تبين خلافه كان تقصيرا.
ومُصَرَّمَة الأطباء، وهي التي عولجت حتى انقطع لبنها، والْجَلاَّلَة، وهي التي تأكل العذرة ولا تأكل غيرها، مما لم تستبرأ؛ بأن تحبس أربعين يوما إن كانت من الإبل، أو عشرين يوما إن كانت من البقر، أو عشرة إن كانت من الغنم.
وذكر الشافعية من أن (الهيماء) لا تجزئ، وهي المصابة بالهيام وهو عطش شديد لا ترتوي معه بالماء، فتهيم في الأرض ولا ترعى، وكذا (الحامل) على الأصح، لأن الحمل يفسد الجوف، ويجعل اللحم رديئا، والأصل الذي دل على اشتراط السلامة من هذه العيوب كلها ما يلي: عن عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ قَالَ: قُلْتُ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: حدثني بِمَا كَرِهَ أَوْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأضاحي. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا بِيَدِهِ، وَيَدِى أَقْصَرُ مِنْ يَدِهِ: ((أَرْبَعٌ لاَ تُجْزِئُ في الأضاحي:الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ التي لاَ تُنْقِي)) أخرجه ابن ماجه في سننه.
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالأُذُنَ، وَأَنْ لاَ نُضَحِّي بِمُقَابَلَةٍ وَلاَ مُدَابَرَةٍ وَلاَ شَرْقَاءَ وَلاَ خَرْقَاءَ)) أخرجه الترمذي في سننه. وعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: ((نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِعَضْبَاءِ الأُذُنِ وَالْقَرْنِ)) أخرجه أبو داود في سننه.
ما الأنعام التي تجزئ الأضحية بها وفيها عيوب؟الأنعام التي تجزئ في الأُضْحِيَّة وبها عيب ليس بفاحش هي كالآتي : الجماء: وتسمى الجلحاء، وهي التي لا قرن لها خلقة، ومثلها مكسورة القرن إن لم يظهر عظم دماغها.
فعَنْ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِىٍّ: أَنَّ عَلِيًّا سُئِل عَنِ الْبَقَرَةٍ فَقَالَ: عَنْ سَبْعَةٍ. وَسُئِلَ عَنِ الْمَكْسُورَةِ الْقَرْنِ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ. وَسُئِلَ عَنِ الْعَرَجِ فَقَالَ: مَا بَلَغَتِ الْمَنْسَكَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَيْنِ وَالأُذُنَيْنِ. أخرجه أحمد في مسنده.
وقال الشافعية: تجزئ وإن أدمى موضع الكسر، ما لم يؤثر ألم الانكسار في اللحم، فيكون مرضا مانعا من الإجزاء. وهو المفتي به، والحولاء، وهي التي في عينها حول لم يمنع البصر. و الصمعاء، وهي الصغيرة إحدى الأذنين أو كليهما. والشرقاء وهي مشقوقة الأذن، وإن زاد الشق على الثلث.
و الخرقاء وهي مثقوبة الأذن، ويشترط في إجزائها: ألا يذهب بسبب الخرق مقدار كثير. و المدابرة، وهي التي قطع من مؤخر أذنها شيء ولم يفصل، بل ترك معلقا.
والهتماء، وهي التي لا أسنان لها، لكن يشترط في إجزائها ألا يمنعها الهتم عن الرعي والاعتلاف، فإن منعها عنهما لم تجزئ، وقال الشافعية: تجزئ ذاهبة بعض الأسنان إن لم يؤثر نقصا في الاعتلاف، ولا ذاهبة جميعها ولا مكسورة جميعها، وتجزئ المخلوقة بلا أسنان.
والثولاء، وهي المجنونة، ويشترط في إجزائها: ألا يمنعها الثول عن الاعتلاف، فإن منعها منه لم تجزئ ، لأن ذلك يفضي إلى هلاكها، والجرباء السمينة، بخلاف المهزولة. وقال الشافعية: لا تجزئ الجرباء مطلقا، والمكويَّة، وهي التي كويت أذنها أو غيرها من الأعضاء.
والموسومة وهي: التي في أذنها سمة، والعاجزة عن الولادة لكبر سنها و الخصي، وإنما أجزأ، لأن ما ذهب بخصائه يعوض بما يؤدي إليه من كثرة لحمه وشحمه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّىَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ لِمَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلاَغِ، وَذَبَحَ الآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم)) أخرجه ابن ماجه في سننه. قال العلامة الشيخ عميرة في "حاشيته على شرح المحلى على المنهاج" (16/ 104): [((ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ)) أَيْ مَخْصِيَّيْنِ].
ما حكم طروء العيب المُخلّ بعد تعيين الأُضْحِيَّة؟من أوجب أُضْحِيَّة معينة بالنذر أو الجعل، ثم طرأ عليها عيب يمنع إجزاءها قبل دخول الوقت الذي تجزئ فيه الأضحية، أو بعد دخوله وقبل تمكنه من الذبح، ولم يقع منه تفريط ولا اعتداء؛ لم يلزمه بدلها، لزوال ملكه عنها من حين الإيجاب، ويلزمه أن يذبحها في الوقت ويتصدق بها كالأُضْحِيَّة، وإن لم تعد أُضْحِيَّة.
وإذا طرأ العيب باعتدائه أو تفريطه أو تأخره عن الذبح في أول الوقت بلا عذر؛ لزمه ذبحها في الوقت والتصدق بها، ولزمه أيضا أن يضحي بأخرى؛ لتبرأ ذمته. ولو اشترى شاة وأوجبها بالنذر أو الجعل، ثم وجد بها عيبا قديما، فليس له أن يردها على البائع، لأنه زال ملكه عنها بمجرد الإيجاب، فيتعين أن يبقيها، وله أن يأخذ أرش النقص من البائع، ولا يجب عليه التصدق به، لأنه ملكه، وعليه أن يذبحها في الوقت، ويتصدق بها كلها لشبهها بالأُضْحِيَّة، وإن لم تعد أُضْحِيَّة، ويسقط عنه الوجوب بهذا الذبح، ويسن له أن يردفها بسليمة، لتحصل له سنة الأضحية.
ولو زال عيبها قبل الذبح لم تصر أُضْحِيَّة؛ إذ السلامة لم توجد إلا بعد زوال ملكه عنها. ولو قدم المضحي أُضْحِيَّة ليذبحها، فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه، فانكسرت رجلها، أو انقلبت فأصابتها الشفرة في عينها فاعورت؛ أجزأته، لأن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه؛ لأن الشاة تضطرب عادة فتلحقها العيوب من اضطرابها.
اشتريتُ أُضْحِيَّة، واكتشفت أن بها عيبًا، فقمتُ ببيعها، وصرفتُ الثمن دون أن أُخرِج منه صدقة. فما رأي الدين؟
الرأي المختار في الفتوى وهو ما عليه الجمهور من كون الأضحية سنةً مؤكدةً وليست واجبةً، وعليه فلا شيء عليك ما دمتَ لم تكن قد نذرتَ الأضحية، فإن كنتَ قد نذرتَ الأضحية فعليك أن تأتي بضحية أخرى وتضحي بها مكان التي قمتَ ببيعها.
ما الأفضل في الأُضْحِيَّة من أنواع الأنعام؟اختلف الفقهاء في الأفضل في الأُضْحِيَّة من أنواع الأنعام على ثلاثة أقوال: القول الأول: أفضل الأضاحي هي البدنة ثم البقرة ثم الشاة، وهذا قول الشافعية والحنابلة والظاهرية، وبه قال بعض المالكية. قال الإمام الشافعي في " (2/ 246): [والإبل أحب إلي أن يضحي بها من البقر، والبقر أحب إلي أن يضحي بها من الغنم، وكل ما غلا من الغنم كان أحب إلي مما رخص، وكل ما طاب لحمه كان أحب إلي مما يخبث لحمه، والضأن أحب إلي من المعز]. القول الثاني: أفضل الأضاحي هي الضأن ثم البقر ثم الإبل، وهذا قول المالكية المعتمد عندهم.
قال الخرشي: الضأن بإطلاقه: ذكوره وإناثه وفحوله وخصيانه، أفضل في الأُضْحِيَّة من المعز بإطلاقه، ثم إن المعز بإطلاقه أفضل من الإبل ومن البقر بإطلاقهما. (شرح الخرشي 3/ 38، الذخيرة 4/ 143).
القول الثالث: أفضل الأضاحي ما كان أكثر لحمًا وأطيب، وهذا قول الحنفية، فالشاة أفضل من سبع البقرة، فإن كان سبع البقرة أكثر لحما فهو أفضل.
والقول الراجح في هذه المسألة هو قول المالكية في أن الأفضل في الأُضْحِيَّة الغنم ثم الإبل ثم البقر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي بالكباش من الغنم، وثبت ذلك في أحاديث منها: -عن أنس بن مالك رضي الله عنه – قَالَ: ((كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُضَحِّى بِكَبْشَيْنِ وَأَنَا أُضَحِّى بِكَبْشَيْنِ)) أخرجه البخاري في صحيحه.
كيف توزع الأُضْحِيَّة؟ وهل الأحشاء توزع وكذا الرأس؟يستحب تقسيم الأُضْحِيَّة إلى ثلاثة أثلاث، يأكل ثلثها، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها، فلو أكل أكثر من الثلث فلا حرج عليه، وإن تصدق بأكثر من الثلث فلا حرج عليه، لأن تقسيمها على الاستحباب لا على الوجوب؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: «الضحايا والهدايا: ثلث لك، وثلث لأهلك، وثلث للمساكين» أخرجه ابن حزم في "المحلى" (7/270، 271-ط/ المنيرية).
وأما ما يقسم من الأُضْحِيَّة فهو اللحم؛ لأنه المقصود الأعظم، وهو الذي يعود نفعه على الفقراء والمحتاجين، وأما أحشاؤها من كبد وغيره فإن يستحب تقسيمه وإن لم يقسمه فلا حرج في ذلك، والرأس لا تقسم بل تكون لصاحب الأُضْحِيَّة، ولا يبيعها ولا يعطيها للقصاب (الجزار) مقابل أجره أو كجزء منه.
وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أُضْحِيَّة النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث ، ويتصدق على السُّؤَّال بالثلث)) رواه أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وحسنه كما في المغني (11 / 109).
ما حكم إعطاء غير المسلم من الأُضْحِيَّة؟
يجوز ذلك، لأن السنة للمضحي أن يأكل ويتصدق ويهدي منها، واستحب كثير من العلماء أن يقسمها أثلاثاً: ثلثاً للادخار والأكل، وثلثاً للصدقة، وثلثاً للإهداء.
ولا بأس بإعطاء غير المسلمين منها لفقره أو قرابته أو جواره أو تأليف قلبه؛ لقوله صلي الله عليه وسلم في حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق المتفق عليه: ((صِلي أمك))، ومن المعلوم أن أم أسماء كانت من كفار قريش الوثنيين، وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه: ((في كل كبد رطبة أجر)).
ما حكم الشرع في تجميع جلود الأضاحي ثم بيعها في مزاد؟
جمع جلود الأُضْحِيَّة من أصحاب الأضاحي صدقة منهم وتبرعا للأغراض المذكورة جائز، والممنوع عند الأكثرين إنما هو أن يبيع صاحب الأُضْحِيَّة شيئا منها لينتفع هو بثمنه؛ فعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: ((أمرني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لاَ أُعْطِىَ الْجَزَّارَ مِنْهَا، قَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا )) أخرجه مسلم في صحيحه.
وأما أن يتصدق المضحي بجلد أضحيته أو بشيء منها في الأغراض المذكورة فتباع ويُصرَف ثمنُها في ذلك فهو جائز.
هل يجوز الاستبدال في لحوم الأضاحي بعد ذبحها؟
قيام الجهات الخيرية ذات الشخصية الاعتبارية باستبدال لحوم الأضاحي بعد ذبحها لمصلحة الفقراء لا مانع منه شرعًا؛ بل هو سعي محمود في جلب المصالح، مثابٌ عليه مِن قِبَل الشرع؛ لأن الجهات الخيرية شخصية اعتبارية تقوم ببعض مهام الخير التي كان يقوم بها بيت المال؛ من إطعام الطعام، ورعاية الفقراء والمساكين، ومثل هذه الشخصية الاعتبارية العامة كما أن لها أن تقبل وكالة الناس لها بشراء الأضاحي، فلها أيضًا أن تتصرف في هذه الأضاحي -كالوكيل عن الفقراء والمحتاجين- بما هو أنفع لهم، وأكثر زيادة لنسبة استفادتهم، وذلك كله من عمل الخير الذي يثاب عليه البنك شرعًا؛ حيث إنه مِلْكٌ للأمة، ووظيفته النظر في تحقيق المصلحة العامة التي تعود بالفائدة على عموم الناس.
وما جاء في السنة النبوية الشريفة من النهي عن بيع لحوم الأضاحي فالمعنى فيه: أن الأُضْحِيَّة قد أخرجها صاحبها خالصة لله تعالى، فلا يجوز أن يعود إلى مالكها منها شيء، فإذا باع المضحِّي شيئًا من أضحيته فكأنه رجع فيها على قدر ما استرده من ثمنها، وهذا لا يحل.
وهذا غير متصور هنا؛ فإن مثل دار الأورمان وبنك الطعام هي مؤسسات تسعى للمصلحة في توزيع اللحوم على الناس؛ بزيادة نصيب الفقراء والمحتاجين منها، وزيادة أعداد المستفيدين منهم، وليست هي شخصية طبعية حتى يُتَصَوَّر في حقها أن تستفيد لخاصة نفسها من ذلك استفادةَ المُتَمَوِّل المُتَأَثِّل، وحينئذٍ فلا يدخل تصرفها في النهي الشرعي عن بيع لحوم الأضاحي.
وأجاز الحنفية تصرف المضحي في أضحيته بعد ذبحها بالبيع إذا كان ذلك على جهة القُربة؛ جاء في "الفتاوى الهندية" في فقه الحنفية (5/372، ط. دار الكتب العلمية): [ولو باعها بالدراهم ليتصدق بها جاز؛ لأنه قربة كالتصدق. كذا في "التبيين"، وهكذا في "الهداية" و"الكافي". ولو اشترى بلحم الأُضْحِيَّة جرابًا لا يجوز، ولو اشترى بلحمها حبوبًا جاز، ولو اشترى بلحمها لحمًا جاز. قالوا: والأصح في هذا: أنه يجوز بيع المأكول بالمأكول، وغير المأكول بغير المأكول، ولا يجوز بيع غير المأكول بالمأكول، ولا بيع المأكول بغير المأكول.
وحتى على قول الجمهور المانعين لذلك فإنهم أجازوا للفقير والمحتاج أن يتصرف فيما أخذه من الأُضْحِيَّة كما يشاء. وبنك الطعام مثلًا قد وكّله ولي الأمر للنظر في إطعام الفقراء وتوزيع الأضاحي عليهم، فتصرفه فيها منوط بالمصلحة؛ فصار كالوكيل عن الفقراء بِمَا فيه مصلحتُهم؛ بيعًا واستبدالًا وتوزيعًا.
وأما استبدال اللحوم بعضها ببعض مباشرة من غير توسط ثمن فلا مانع منه في هذه الحالة شرعًا؛ وذلك للمصلحة المذكورة؛ وذلك أخذًا بأحد القولين عند الشافعية بجواز بيع اللحم الطري باللحم الطري ولو مع اتفاق الجنس، وإن لم يكن هو المعتمد عندهم، وقد حكاه أبو العباس بن سُرَيْج قولًا للإمام الشافعي رضي الله عنه وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/274): [وفى بيع اللحم الطري باللحم الطري أيضًا طريقان: (أحدهما) وهو المنصوص: أنه لا يجوز؛ لأنه يُدَّخَرُ يابِسُه، فلم يَجُزْ بيعُ رَطْبِه برَطْبِه؛ كالرُّطَب والعِنَب، (والثاني) وهو قول أبى العباس: أنه على قولين؛ لأن مُعظَمَ منفعته في حال رطوبته؛ فصار كالفواكه] .
كما أن الحنفية نصوا على أنه يجوز للشخصية الاعتبارية -كبيت المال والوقف- أن تستقرض بالفائدة، وهذا يقتضي الجواز في مثل هذه الصورة أيضًا، مع نصهم كذلك على أنه لا ربا بين المسلمين وغيرهم في ديار غير المسلمين؛ فيجوز فيها للمسلم أن يتعامل مع غير المسلمين بالعقود الفاسدة، ما دام ذلك برضا أنفسهم. وبناءً على ذلك فيجوز للجهات الخيرية استبدال اللحوم باللحوم مباشرة من غير توسط عملية بيع نقدي؛ ما دام ذلك محققًا للمصلحة.
ما حكم الذبح قبل العيد؟
الأُضْحِيَّة سنة مؤكدة في حق المسلمين المستطيعين، وتتعين الأُضْحِيَّة بالتعيين، فإذا تلفت الأُضْحِيَّة المعينة قبل العيد بغير تفريط أو تقصير من صاحبها، فليس عليه الإتيان بغيرها، وما فعله السائل من قيامه بذبحها قبل العيد عندما أصابها المرض وأشرفت على الموت، وقيامه بتوزيع لحمها على الفقراء عمل مشروع، إلا أن لحمها هذا لا يعد أُضْحِيَّة بل هو صدقة تصدق بها، والله سبحانه وتعالى يجزيه خيرا؛ لأن الأُضْحِيَّة لا تكون إلا بالذبح بعد صلاة العيد كما هو مقرر شرعا؛ لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].
وعن البراء رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم النحر بعد الصلاة فقال: ((من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم)) أخرجه أبو داود في سننه.
هل يجوز للناذر الأكل من الأُضْحِيَّة المنذورة؟اختلف الفقهاء في المسألة على مذهبين : المذهب الأول: لا يجوز للناذر الأكل من الأُضْحِيَّة المنذورة ويجب عليه التصدق بجميعها على الفقراء، فإن أكل منها شيئاً غرم بدله، وهو مذهب الحنفية والشافعية وقول في مذهب الحنابلة. قال الإمام البجيرمي في" حاشيتة على المنهج (16/ 60): [وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَةُ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهَا].
وقال الزيلعي في " تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (16/ 311): [وَإِنْ وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ فَلَيْسَ لصاحبها أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَلَا أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ النَّاذِرُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ ، وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ ، وَلَا أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ]. المذهب الثاني : يجوز الأكل من الأُضْحِيَّة المنذورة، وهو مذهب المالكية والحنابلة في القول المعتمد عندهم وقول في المذهب الشافعي.
قال ابن قدامة في "المغني" (9/ 444): [وَإِنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ ذَبَحَهَا، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ مَنَعَ الْأَكْلَ مِنْهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَبَنَاهُ عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ. وَلَنَا: أَنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَالْمَعْهُودُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ذَبْحُهَا وَالْأَكْلُ مِنْهَا، وَالنَّذْرُ لَا يُغَيِّرُ مِنْ صِفَةِ الْمَنْذُورِ إلَّا الْإِيجَابَ، وَفَارَقَ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ؛ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ، فَالْمَنْذُورُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ]. والمفتي به عدم جواز الأكل من الذبيحة المنذورة.
هل يجوز الادخار من لحم الأُضْحِيَّة؟ يجوز ادخار لحوم الأضاحي عند جمهور الفقهاء، واستدل الجمهور على الجواز بما رواه عَبْد اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاَثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ)) أخرجه مسلم في صحيحه.
إذا نوى الحاج حج التمتع فهل عليه أن يذبح في مكة أضحيته؟يلزم الحاجَّ المتمتعَ والقارنَ هديٌ يُعطى لفقراء الحرم، فإن لم يجد صام عشرة أيام، ثلاثة منها في الحج وسبعة ببلده بعد الرجوع، قال تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة: 196].
والأُضْحِيَّة سنة، فإذا حج الإنسان متمتعا أو قارنا وأراد أن يضحي في مكة؛ جاز، أو أوكل من يضحي عنه في بلده جاز ذلك أيضا، قال الإمام النووي في " المجموع"(8 / 383): [قال الشافعية: الأُضْحِيَّة سنة على كل من وجد السبيل من المسلمين من أهل المدائن والقرى ، وأهل السفر والحضر والحاج بمنى وغيرهم، من كان معه هدى ومن لم يكن معه هدي].
ما حكم شراء الأُضْحِيَّة بالوزن؟الأصل هو أن الحيوانات الحية من أغنام وأبقار ونحو ذلك لا تحتاج في بيعها إلى وزن، وإنما تباع برؤيتها إذا كانت موجودة، أو بأوصافها التي تميز بعضها عن بعض، بحيث تنتفي الجهالة والغرر، وأما بيعها بالوزن كما ورد في السؤال فجائز ولا حرج فيه.
هل على المسلم أن يضحي كل عام أم تكفيه مرة واحدة؟الأُضْحِيَّة سنة مؤكدة كل عام ولا يجزئ عام عما بعده، لأنها تتكرر بتكرر وقتها كالصلاة، وعَنْ عَامِرٍ أَبِى رَمْلَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ وَنَحْنُ وُقُوفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ قَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ في كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً)) أخرجه الترمذي في سننه، وقال: حديث حسن.
تفضيلات القراء
- اضف تعليق