يقول المولي عز وجل
"إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون".
الإسلام دين الوحدة والتوحيد. فالله سبحانه وتعالي واحد. والدين واحد. والنبي صلي الله عليه وسلم واحد. والمصير واحد. ومن مظاهر هذه الوحدة ما يلي: 1 الصلاة: يقف المسلمون صفاً واحداً لا فرق بين حاكم ومحكوم ولا عربي وأعجمي ولا غني وفقير. كلهم يضعون جباههم علي التراب تذللاً وطاعة للمولي عز وجل. 2 الحج: وفيه يتجمع المسلمون من كل فج عميق يقفون في مكان واحد. يلبسون زياً واحداً وينادون رباً واحداً بهتاف واحد "لبيك اللهم لبيك". 3 الصوم: في شهر معلوم يصومه كل مسلم في كل بقاع الأرض. 4 الزكاة: وهي واجبة علي الأغنياء لكي ترد علي الفقراء لقوله تعالي: "والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم". ويدعو الإسلام إلي نبذ التعصب والبعد عن التشدد. يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ما شد أحد الدين إلا شده". ويقول عليه الصلاة والسلام: "ليس منا من دعا إلي عصبية. وليس منا من قاتل علي عصبية. وليس منا من مات علي عصبية" رواه أبو داود وقال: "سلمان منا آل البيت" رواه الطبراني والحاكم . وقال: "آل محمد كل تقي". رواه الطبراني في الأوسط. ولم يدع الإسلام إلي نبذ العنف والتعصب بين المسلمين بعضهم بعضاً فقط. بل منع ذلك بين المسلم وغير المسلم حيث أمر بحسن معاملة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. وطلب طلباً جازماً بعدم الاعتداء عليهم وجعل حمايتهم وحماية أموالهم وممتلكاتهم واجباً من واجبات المسلمين دولاً وأفراداً. قال صلي الله عليه وسلم: "من آذي ذمياً فأنا حجيجه يوم القيامة". فالتعصب داء يسري في النفوس يحمل صاحبها علي مخالفة الدليل من أجل مذهب معين. فتراه يدافع عن مذهبه الذي ينتسب إليه وان كان الحق بخلافه. والأئمة الأربعة رضي الله عنهم نصوا علي الأخذ بالدليل وان خالف قولهم. ووجهوا أتباعهم إلي التمسك بالحق. 1 قال مالك رحمه الله: "ما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا المقام". وأشار إلي ضريح النبي صلي الله عليه وسلم. 2 وقال الشافعي رحمه الله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي". 3 وقال أبو حنيفة رحمه الله: "ما جاء عن النبي صلي الله عليه وسلم فعلي العين والرأس". وقال: "إذا خالف كلامي كلام رسول الله صلي الله عليه وسلم فاضربوا بكلامي عرض الحائط". 4 وقال أحمد رحمه الله: "لا تكتبوا عني شيئاً ولا تقلدوني" ولا تقلدوا فلاناً وفلاناً. وخذوا من حيث أخذوا". ورغم ذلك فقد تعصبت كل جماعة لإمامهم ومذهبهم. قال الحصكفي في أبيات يمدح فيها أبا حنيفة: فلعنة ربنا أعداد رمل علي من رد قول أبي حنيفة. وقال إمام الحرمين: "نحن ندعي أنه يجب علي كافة العاقلين. وعامة المسلمين شرقاً وغرباً. بعداً وقرباً. انتحال مذهب الشافعي". وقال منذر بن سعيد عن تعصب المالكية للإمام مالك: عذيري من قوم يقولون كلما طلبت دليلاً: هكذا قال مالك. فإن عدت قالوا: هكذا قال أشهب وقد كان لاتخفي عليه المسالك فإن زدت قالوا: قال سحنون مثله ومن لم يقل ما قاله فهو آفك. وقال أحد الحنابلة: أنا حنبلي ما حييت وإن مت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا والحق خلاف ما قالوا. فالواجب هو اتباع الدليل من الكتاب والسنة والأخذ به حتي ولو خالف قول إمام من الأئمة حيث نصوا كلهم علي ذلك. متي بدأ التعصب المذهبي؟: بدأ التعصب المذهبي في منتصف القرن السابع الهجري بعد أن مرت الأمة الإسلامية بمرحلة ازدهار وانتشار فكري وتطور علمي هائل حيث تأسست المدارس الفقهية. ففي القرون الستة الأولي والنصف الأول من القرن السابع كان المجال مفتوحاً لانتشار العلم والفقه. وكان الخلاف المذهبي يقع بين أئمة المذاهب أو بين مقلديهم بلا حرج. ولقد ابتليت الأمة في منتصف القرن الرابع الهجري بمقولة عقيمة حجَّمت التطور الفقهي وأوقفت العلماء عن الاجتهاد ألا وهي: "غلق باب الاجتهاد" بدعوي أن السلف أسسوا لنا كل ما نحتاج إليه دينياً ودنيوياً ولم يتركوا للخلف شيئاً يبتكرونه أو يجتهدون فيه. وأصبح عمل المجتهدين هو شرح مذهب إمامهم أو اختصار كتب السابقين. وانتشر ما يعرف بشرح المتون والمختصرات والحواشي. وهكذا مما أدي إلي التأخر العلمي والفكري. وبعد قرنين من شيوع هذه المقولة بدأ ينتشر التعصب المذهبي ودليل ذلك ما وقع بين أهل السنة أنفسهم في المسائل التي أثارها ابن تيمية وكان له آراء تخالف ما كان معروفاً ومستقراً من قبله فخالفه جمهور المسلمين واضطهد من أجل ذلك وسجن بسبب آرائه الفقهية المخالفة. وجري هذا التعصب في كل المذاهب الفقهية سواء مذاهب أهل السنة أو مذاهب الشيعة وغيرهم. فقد اتخذ كل جماعة مذهباً عقائدياً أو فكرياً أو فقهياً فاتبعوه وتعصبوا له واعتبروا أن ما عداه باطلاً. وهكذا أصبحت المذاهب العقائدية والفقهية وسيلة للتفرقة بعد أن كانت مدارس فقهية عظيمة أمدت الفكر الإسلامي بمعين من العلم لا ينضب. وأصبح المذهب ديناً عند أتباعه. وأصبحت مخالفته كفراً وفسوقاً وأصبح السني يكفر الشيعي والشيعي يكفر السني. بل أصبحت مذاهب السنة ينعت بعضها بعضاً بالضلال والكفر والفسوق حتي وصل الأمر إلي انهم لا يصلون إلا خلف من تبع مذهبهم. وكانت تقام في المساجد الكبري في مكة المكرمة والمدينة المنورة والقاهرة ودمشق وغيرها جماعة لكل مذهب. وكانوا لا يزوجون بعضهم بعضاً بزعم أن الحنفي ليس كفؤاً للشافعية والشافعي ليس كفؤاً للمالكية.
البقية العدد القادم بمشيئة الله
* عقيدتي: الثلاثاء 10 من رجب 1428هـ - 24 من يوليو 2007 م
هناك تعليق واحد:
بارك الله فيك يادكتور وأصلح بك ونفع بعلمك جميع البلاد والعباد اللهم آمين 0
إرسال تعليق